للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا نستطيع إمداد فلسطين بالرجال لأنه ليس لنا ما لليهود من تسهيلات، وليس عندنا ما عندهم من اتصالات ومؤسسات. وإنما نستطيع أن نمدَّ بالمال، فليعمل العاملون لذلك وليقفوا جهودهم على ذلك، فإنه أيسر علينا وأنفع لفلسطين، وليقُم أهلُ الرأي والثقة بتكوين لجان مركزية في العواصم تتفرّع منها لجان فرعية في الأقاليم، ولْيُعلنوا عملهم للأمة. ولتقم الأمة بواجبها، ولتعلم أن الغالي رخيص في سبيل عُروبة فلسطين، وأن صوم أسبوع في الشهر وادّخار نفقاته لفلسطين لمما يسهل على الفقير، وإن هجر الشهوات أسبوعًا من الشهر وإرصاد نفقاته لفلسطين لمما يسهل على الغني، وأن هجر الملاهي المبيدة للمال شهرًا كاملًا ووقف ما كان يُنفق فيها على فلسطين لأمر ميسور للغني والفقير معًا، وإن التعفّف عن كماليات الحياة عامًا كاملًا وشراء شرف الدهر بقيمها لأمر غيرُ بعيد من همّة العربي، وإن النور الذي أشرق في نفس عثمان بن عفّان فخرج من ماله وجهّز جيش العسرة لغير غريب عن نفس المسلم.

ألا هل بلَّغت؟ اللهمّ اشهد! ...

...

أما أنا، كاتب هذه السطور، فوالذي روحي بيده لو كنت أملك ما يملكه العموري (٢) من سَخْل، أو ما يملكه البسكريّ من نخل، أو ما يملكه الفلّاح من أرض، أو ما يملكه الحضري من دور ورباع، أو ما يملكه الكانز من ورِق وورَق، لخرجتُ من ذلك كله في سبيل عروبة فلسطين، ثم لا تجدُني مع ذلك منَّانًا ولا كنودًا، ولكنني أملك من هذه الدنيا مكتبة متواضعة هي كل ما يرثه الوارث عني، وإنني أضعُها خالصًا مخلصًا، بكتبها وخزائنها تحت تصرّف اللجنة التي تُشكَّل لإمداد فلسطين، ولا أستثني منها إلا نسخةً من المصحف للتلاوة، ونسخة من كل من الصحيحين للدراسة (٣).


٢) نسبة إلى منطقة "عَمور" بالجزائر المشهورة بتربية الأغنام.
٣) شكلنا اللجنة المركزية في العاصمة (الجزائر) وشرعنا في تشكيل اللجان الفرعية، كل ذلك تحت إشرافي فجمعت اللجان التي تمكنت من العمل تسعة ملايين من الفرنكات حملها أمناء منّا إلى باريس ودفعوها إلى الأستاذ أحمد عبد الخالق ثروت سفير مصر إذ ذاك بفرنسا لقاء إيصالات رسمية ليدفعها إلى الجامعة العربية، وقد فعل، فقد سألت الأستاذ عبد الرحمن عزّام عنها حين قدمت مصر قبل إحدى عشرة سنة فأفادني وصولها ولا أدري ما فعل بها. ولم يكن من الممكن إرسالها على غير هذه الطريق.
أما مكتبتي التي وهبتها لفلسطين، فما كاد الوفد الذي ألفناه لجمع الإعانات يرجع من رحلته الأولى حتى جاءت الأخبار باجتياح اليهود صحراء النقب، ووصولهم إلى العقبة، وانهيار الجيوش العربية، إذ كانت لا ترجع إلى قيادة واحدة، وخروج الفلسطينيين من ديارهم حسب ما رسم الإنكليز ووكلوا تنفيذها إلى صنيعتهم بل عبدهم المطيع عبد الله، فظهر للجنة أن لا تتسلّم المكتبة ولا تتسبّب في تشتيتها مثل العرب.

<<  <  ج: ص:  >  >>