للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النفوس الجامحة قيادها إلى الخير، وفيك تهشّ النفوس الكزّة إلى الإحسان؛ فلا تلُم البائسين- وقد عوّدتهم هذا- أن يسألوك المزيد، فيطلب الخائفون أن تُشرق عليهم شمسك بالأمان، ويرجو المظلومون أن يطلُع عليهم يومك بالانتصاف. ويتمنى المستعبدون أن يتجلّى لهم ليلك عن الحرية والسيادة.

...

إن تفاخرت الأيام ذوات الشيات والمياسم، والمواكب والمواسم، فيومك الأغرّ المشهّر، وإن أتت الأيام بمن له فيها ذكر من الرجال، أو بمن شرفها بنسبة من الأبطال، جئت بإبراهيم، وإبراهيم آدم النبوّة، بعد آدم الأبوّة، وبإسماعيل، وإسماعيل سامك البنية القوراء، وعامر الحنيّة القفراء، ورمز التضحية والفداء، وناسل العديد الطيّب من النجيبات والنجباء؛ وبمحمد، ومحمد لبنة التمام، ومسك الختام، ورسول السلام، وكفى ... وإن جاءت الأيام بما أُثِر فيها من رموز، ونُثر باسمها من كنوز، جئت بالشعائر المأثورة، والنذر المنذورة؛ وجئت بالهدي يتهادى، والبُدن تتعادى، وجئتَ بالفدية والكفارة، والتجرّد والطهارة، وجئت بالأضحية والقربان، رموزٌ طواها الإسلام في الشعائر المضافة إليك ووكل لتصاريف الزمان شرحَها، وقد شرحتْ وأوضحت؛ وأين من يعقِل أو من يعي؟

...

يا عيد ... بأية حال عدت؟ ... وهذه فلسطين التي عظَّمت حُرُماتك ثلاثة عشر قرنًا ونصف قرن، وتأرج ثراها بالأثر العاطر من إسراء محمد، وتضمَّخ بدماء الشهداء من أصحابه. واطمأنَّت- من أول يوم- قلوب أبنائها بهدي القرآن، وجنوبهم بعدل عمر، تسام الدون، وتقاسي عذاب الهون؛ قد اجتمع على اهتضامها عُتو الأقوياء، وكيد الضعفاء؛ يريدون أن يمحوا معالمك منها، ويحسروا ظلال الإسلام عنها؛ طرقت حماها غارةٌ شعواء، من الشهوات والأهواء، يحميها الحديد، وينافح عنها الذهب، وغمرتها قطعان من ذؤبان البشر، وشراذم من عبّاد المال، يريدون أن يحقّقوا فيها حلمًا غلطوا في تفسيره؛ وأن ينصبوا فيها مسيحًا دجّالًا، بعد أن كذّبوا المسيح الصادق؛ وأن ينتقموا فيها من المسلمين بعد أن عجزوا عن الانتقام من بابل ويونان، وفارس والرومان، وروسيا والألمان، وإيطاليا والإسبان؛ وأن يرثوها بدون استحقاق، ويجعلوا من بني إسماعيل خَوَلًا لبني إسحاق.

وهذه الجزيرة العربية مَجْلى البيان والوحي، ومسرح الخيال والشعر، ومنبت حماة الحقائق من قحطان وعدنان، تُنصب فيها أشراك الشركات ووراء كل شرك صائد؛ وتتناطح

<<  <  ج: ص:  >  >>