للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإنسانية الفاضلة، تحاول حلّ العقدة التي عقدها المكر بالسيف، وتعاني من تصامم الأقوياء وإخلاف وعودهم ما هو أشد من البلاء، وأشق من الموت؛ ولولا أن (الغربيّة) رحم يرعاها الغربي للغربي ما استعبدتِ السبعة سبعين (٦).

وهذا العالم كله مسيّر إلى غاية مشؤومة، متوقّع لضربة قاضية، تنسي الماضية؛ وهو يستنزل الغيث من غير مصبّه، ويستروح ريح الرحمة من غير مهبّه، ويتعلّل بالعلالات الواهية، من جمعية (٧) لم تجمع متفرقًا من هوى، ولم تزجر عاديًا عن عدوان، إلى مجلس أمن لم يؤمِّن خائفًا، ولم ينصر مظلومًا، وإنما هو كرة بين لاعبين، أحدهما يستهوي بالفكرة، والآخر يستغوي بالمال. وويل للعالم إذا نفد النفاق، واصطدمت قوة الفكر بقوة الذهب.

...

أما والله لو ملكتَ النطق يا عيد، لأقسمتَ بما عظّم الله من حرماتك، وبما كانت تقسم به العرب من الدماء المراقة في أيامك ومناسكك، ولقلتَ لهذه الجموع المهيضة الهضيمة من أتباع محمد، يا قوم: ما أخلف العيد، وما أخلفت من ربكم المواعيد. ولكنكم أخلفتم، وأسلفتم الشر فجُزيتم بما أسلفتم، {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا}.

فلو أنكم آمنتم بالله حق الإيمان، وعملتم الصالحات التي جاء بها القرآن، ومنها جمع الكلمة، وإعداد القوّة، ومحو التنازع من بينكم، لأنجز الله لكم وعده، وجعلكم خلائف الأرض؛ ولكنكم تنازعتم ففشلتم وذهبتْ ريحكم، وما ظلمكم الله ولكن ظلمتم أنفسكم.

أيها المسلمون: عيدكم مبارك إذا أردتم، سعيد إذا استعددتم. لا تظنوا أن الدعاء وحده يردّ الاعتداء، إن مادة دعا يدعو، لا تنسخ مادة عدا يعدو؛ وإنما ينسخها أعدّ يعدّ، واستعدّ يستعدّ، فأعدّوا واستعدّوا تزدهر أعيادكم، وتظهر أمجادكم.


٦) عدد سكان جزائر جاوه سبعون مليونًا أو يزيدون، وسكان هولاندة التي تستعمر تلك الجزائر كلها سبعة ملايين.
٧) جمعية الأمم المتحدة.

<<  <  ج: ص:  >  >>