للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا يلبث ذلك النجم أن يخبو، وذلك الصوت أن يخفت، إلا نجمًا سطع في أفقك، وصوتًا ارتفع من أرجائك، وقد ارتفعت أصوات بالإصلاح الديني في أقطار الإسلام، وفي حقب معروفة من تاريخه، فضاعت بين ضجيج المبطلين، وعجيج الضالين، إلا صوت "محمد عبده" فإنه اخترق الحدود وكسر السدود.

...

عهدكِ التاريخ صخرةً من معدن الحق، تنكسر عليها أمواج الباطل، فكوني أصلب مما كنت، وأرسخ قواعد مما كنت، تنحسر الأمواج وأنتِ أنتِ.

أقدمت فصمّمي ... وبدأت فتمّمي ... وحذار من التراجع، فإن اسمه الصحيح "الهزيمة"، وحذار من التردّد فإنه سوس العزيمة.

إنك فائزة هذه المرة بأقصى المطلوب، لأنك أردتِ فصمّمت، وإنما يعين الله من مخلوقاته المصمِّمين، وإذا كان المطلوب حقًّا، وكان الطلب عدلًا فأكبرُ الأعوان على نيله التصميم، فصمّمي، ثم صمّمي.

إن قلبي يحدّثني حديثًا كأنما استقاه من عين اليقين، وهو أنك فائزة منتصرة ظافرة في هذه المعركة، لأنك استعملت فيها سلاحًا كنت تنشدينه فلا تجدينه، وهو الإرادة، يحدوها التصميم، يمدّهما الإيمان بالحق، يربط ثلاثتهما الإجماع على الحق.

إنك فائزة في هذا اليوم بالأمنية التي عملت لها قرونًا، وإن فوزك فوز للعرب وللإسلام والشرق؛ فيا ويح دعاة الوطنيّات الضيّقة المحدودة، إذا أقدم الأبطال نكصوا، وإذا زاد الناس نقصوا؛ ويحهم إنّ المستعمر سارق، وإن السارق الحاذق لا يسرق إلا في الظلمة أو في الغفلة، فإذا انحسر الظلام، أو انقشعت الغفلة ولّى مدبرًا بالخيبة والخسار، وإن مصر لفي فجر صادق، وإنها لفي يقظة صاحية، فأيّ موضع يسع السارق فيها؟

صمّمي، وأقدمي، ولا يخدعنك وعد، ولا يزعجنك وعيد، ولا تُلهينّك المفاوضات والمخابرات، فكلّها تضييع للوقت، وإطالة للذل، ولقد جرّبت ولُدِغت من جُحر واحد مرارًا! إن الخصوم- كما علمت- لئام، فاقطعي عنهم الماء والطعام، وإن اللؤم والجبن توأمان منذ طبع الله الطباع، فحرّكي في وجوههم تلك القوى الكامنة في بنيك يرتدعوا. صمّمي وقولي للمتعاقلين الذين يعذلونك على الإقدام: "إنّ أضيعَ شيء ما تقول العواذل".

***

<<  <  ج: ص:  >  >>