للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المتكاثرة؟ إنها اليوم قفار، وأين تقدير السير بالأميال، لتيسير الاتصال؟ إنها اليوم مجاهل، يضلّ فيها القطا، ويقطع فيها من المطايا المطا (٨). أجدبت الخمط والأثل، فضلًا عن الكرم والنخل.

أعرض أسلافكم عن هدى الله فباعد بين أسفارهم، وجعلهم أحاديث، ومزقهم كل ممزق. وأعرضتم عن سنن الله فباعد بين قلوبكم، وكنتم أهون عليه من أن يُسَيَّر فيكم حديث، أو يسطّر في شأنكم قصص، أولئك أخذوا على قوّة، فالأحاديث عنها تملأ المسامع، وتهزّ المجامع؛ وأنتم أخذتم على ضعف وانحلال، فالحديث عنكم لا يُثير عزّة، ولا ينير السبيل إلى قدوة.

لو بذل الكُهّان، ما عزَّ وما هان، في أن يأتوا بمثل قوله: {فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ} لما حصّلوا، ولو رقوا إلى سماء البلاغة بسلّم وكان فيهم العض (٩) والملهم والمكلم، لما وصلوا؛ جلّ كلام الله، وقلّ كلام الكاهن.

...

يا أسلاف، ورّثتم الحكمة وسيّرتم الأمثال والفِقَر، وعمرتم من التاريخ صحائف بالمحامد، وشغلتم القرون بالحديث عنكم، وشدتم الباقيات للحضارة، وزيّنتم الحياة بالقوة والبأس الشديد، وسبقتم العالم إلى موارد العزة في الدنيا، ووقفتم في نصف هذه الكرة تحكمون وتتحكّمون، وتصلون شرقها بغربها وتقسمون، فبدتم وما بادت آثاركم ولا أخباركم.

ويا أخلاف، ماذا صنعتم؟ وبماذا اقتنعتم؟ هذه آثار سلفكم، عرف الغريب مواقعها، وجهلتم مواضعها، فهل النسب مدخول؟ أو الانتساب غير منخول؟ ويلكم! إن الألوان، على الدلالة أعوان، سوّد بنو العباس لسؤددهم، وبيَّض العلويون لطهارتهم، وخضَّر العبيديون لدعواهم ودعايتهم، وزرّقتم (١٠) ... لماذا؟ ...

كاهن الحي


٨) المطا: الظهر.
٩) العض: العالم الخبير، والعضان زيد بن الكيس ودغفل أعلما العرب بالنسب.
١٠) لبستم الزرقة، وبدو اليمن يعشقون هذا اللون.

<<  <  ج: ص:  >  >>