للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والدين، أنَسيتم يوم تنادوا مُصْبِحين، وتعادوا مسلّحين، وتداعوا مصطلحين، وتعاووا من كل حدب، وتهاووا من كل صبب، ذؤبان تقدمها رهبان، وغربان تظلّلها صلبان، بنفوس من الحقد ثائرة، وقلوب بالبغضاء فائرة، تنازعكم إرث الإسلام، ومعراج نبي السلام؟ أنسيتم ما فعله صلاح الدين بالمعتدين؟ إن نسيتم أمسكم فهم له ذاكرون، وإن كفرتم بيومكم فهم له شاكرون. أين كنتم يوم أعطوا العهود لليهود؟ أم أين كنتم يوم جاءوكم بالفهود في المهود؟ أم أين كنتم يوم آمنوا بإسحاق وكفروا بهود؟ كلّ ذلك وقع وأنتم شهود، ولكنهم كانوا أيقاظًا وأنتم رقود، أمعنوا في الاستعداد وأمعنتم في الرُّقاد، اعتمدوا على العلم و (الريال) واعتمدتم على الجهل والخيال، جاءُوكُم بصف واحد كملمومة الصخر، وجئتموهم بصفوف متخاذلة، جاءُوكُم على قلب رجل واحد، وجئتموهم بقلوب متنافرة، قادهم إلى الظفر قائد واحد ورأيٌ جميع، وقادكم إلى العار قوّاد متشاكسون ورأيٌ شتيت، ما أضاع السيادة إلا توزيع القيادة، اجتمعوا وافترقتم، فسَلِموا واحترقتم.

تالله ما ضاعت فلسطين اليوم، ولكنها ضاعت يوم وُعدوا بها، فركنوا إلى العمل، وركنتم إلى الكلام، بل ضاعت قبل ذلك بقرون، منذ نبت قرن صهيون، فتماريتم بالنذر، ولم تأخذُوا الحذر.

لا تقولوا إن شرّ دين، ما جرّ التشريد للمتشرّدين، فإن شرًّا منه عقلكم الذي جرّ العار للعرب أجمعين، وكرّ بالخزي على جميع المسلمين.

...

جاء النصر من مصر، فلماذا تخلَّفت البصرة عن النصرة؟ قلب وجف بالنجَف، بعد ما رقأ الدمُ وجفّ، وآخر خفق بالمنتفق، بعد مغيب الشفق وافتراق الرّفق، ما أغنى الخفوق من قلب الشّقوق، وما أجدى الوجيف بعد ما سدَّ الباب وأجيف (٤).

أيها العرب: بعضكم أبرار، وجلكم أشرار، وكلكم أغرار ...

كاهن الحي


٤) أجيف الباب: أغلق مصراعاه

<<  <  ج: ص:  >  >>