للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وإما أن يسلك به المسلك الثالث وهو التعليم الأوربي أو المطبوع بالطابع الأوربي فيلحد ويحتقر آباءه وأمّته ودينه ولغته ووطنه، فمن للمسلمين؟

...

هنا شكوى متردّدة بين جنبات الشرق، وتهمة مترادّة بين شيوخه وشبابه، أولئك يشكون من هؤلاء أنهم تمرّدوا على الدين فلا يقيمون شعائره، وعلى الفضائل فلا يقيمون لها وزنًا، وهؤلاء يشكون من أولئك أنهم رجعيون جامدون لا يسيرون مع الزمن ولا يتركونهم يسيرون، تسمع هذه الشكوى، وما ثم إلا الشكوى، فأما العمل لإزالتها، والسعي في علاجها، والتقريب بين طرفيها فلا تسمع عنه خبرًا، ولا ترى له أثرًا.

وقد أتاحت لي إقامتي شهرين في باكستان أن أدرس بنفسي حالة شبانها، فرأيت الحالة مشابهة لما عندنا، ثم اجتمعت في كراتشي بنفر من رجالات الشرق النابهين فأخبروني عن أوطانهم متألمين أن حالة الشبّان واحدة، ثم شهد المؤثمر الأخير عدّة وفود من الأقطار الإسلامية، فتهيّأ لي أن أدرس عدة نواح منها هذه، فخرجت بهذه الزفرات التي بثثتها في هذه الكلمات، فإذا أطلت في هذه النقطة فعذري هو هذا، على أنني لم أنته إلى الرأي المفصّل، وسأفصله في "الرحلة" فإنني الآن إنما أكتب إلى «البصائر» وهي صحيفة.

هذه هي المقاصد الأساسية لرحلتي، وإن وراءها لنوافل كثيرة أهمها التعريف بجمعية العلماء وأعمالها للإسلام والعربية، والتعريف بالجزائر والشمال الافريقي كله، فإن إخواننا في الشرق لا يعلمون عنا إلا القليل المشوّه، وقد قمت بهذا التعريف في دواخل باكستان على أكمل وجه، فأصبحت أحوالنا وأعمالنا معروفة على حقيقتها، وأصبحت في نظر المجتمعات التي سمعت عرضها وبيانها مني مما تجب العناية به، ومن تلك النوافل المؤكّدة تصحيح أخطاء السماع بالعيان، ومنها توكيد التعارف بين أجزاء العالم الإسلامي وفتح الباب لتبادل الزيارات، ولم تزل هذه الرحلات عند أسلافنا أخذًا وعطاءً وإفادة واستفادة، وإذا يسّر الله إكمال هذه الرحلة يسّر كتابتها على النحو الذي شرعت فيه، ودوّنت المرحلة الأولى منه، فستكون رحلة عامرة بالمعلومات الصحيحة، والآراء الممحصة إن شاء الله، وسيكون أول مستفيد منها أبناء الشمال الافريقي.

إن هذه المقالات التي أكتبها متتابعة في «البصائر» هي خلاصة المذكرات التي أعددتها لكتاب الرحلة، ومعذرة لإخواننا الشرقيين إذا قرأوا فيها سردًا لتنقلاتي، أو توسّعًا في شيء معلوم عندهم، فإنني إنما أكتب لقومي ومن يليهم، وهم في حاجة شديدة إلى مثل هذه الأخبار، لانقطاعهم عن الشرق وتشوّفهم إلى كل ما يرد منه أو عنه، ومعذرة أخرى إلى قرّاء

<<  <  ج: ص:  >  >>