للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تتعلّم كما ألزم الرجل أن يتعلّم، لأنه سوّى بينهما في التكاليف، والتكاليف لا تؤدّى إلا بالعلم، وأوجب عليهما العشرة، والعشرة لا تصلح إلا على العلم وجعلها مغرسًا للنسل، وغارسة للخصائص فيه، ومتعهّدة له بالسقي والإصلاح، وكل هذا لا يتمّ إلا بالعلم، وإذا كانت تربية النحل والدود تفتقر إلى العلم، فكيف لا تفتقر إليه تربية الإنسان؟ فإذا جهلت المرأة أتعبت الزوج، وأفسدت الأولاد، وأهلكت الأمّة، وكان منها ما ترين، وهل يسرّك ما ترين؟ فقالت لا، وقد توسّعت في هذه المعاني ومثلت، فأعجبها الحديث فأحسنت الإصغاء، وظهر لي من تنازع الحديث أنها مهتمة بشؤون المرأة المسلمة، وأنها مطّلعة على التشريع الإسلامي المتعلّق بالمرأة، وكان رفيقي في هذه الزيارة إنعام الله خان، والمترجم الشيخ محمد عادل القدوسي.

...

وزرت في الأسبوع نفسه قبر المرحوم محمد علي جناح محرّر باكستان، ومعي جماعة كبيرة من أعضاء مؤتمر العالم الإسلامي، ومعنا السيد غلام رضا سعيدي، ممثّل المؤتمر في إيران، ومعتمد بنك الحكومة في طهران، وكان ضيفًا في كراتشي، وتعارفنا فلازمني أيامًا، وهو رجل فاضل عارف باللغة العربية مطّلع على آدابها محسن للنطق بها، ويحسن الإنكليزية جيّدًا والفرنسية قليلًا، وزرنا بعده قبر لياقت علي خان، وهما متقاربان في ساحة واحدة مسيّجة وفي أحد جوانبها ماء ومواضع للوضوء، وليس على واحد منهما قبة، وإنما هما مسنمان في ارتفاع نصف القامة، وعليهما ستور خفيفة من القماش الملوّن، وعلى كل واحد منهما مظلّة مستطيلة تقي الزائرين حرّ الشمس، وقد وضع الزوّار على كل قبر عددًا كبيرًا من المصاحف القرآنية.

انتابتني حين وقفت على قبر جناح حالة غريبة، لعلّ منشأها ما في نفسي للرجل من إكبار زادته دراستي لتاريخ حياته ولأعماله في تلك الأيام القليلة، فإنني ما زرت قبره حتى استكملت علم ما كنت أجهل من حياته، فجاش خاطري بأبيات، وأنا واقف على قبره، وأنشدتها بصوت متهدّج، فتأثّر الحاضرون، وكتبوا ما علق منها بالذهن على إثر الانصراف، وما ذكرت منها حين كتابة هذا الفصل إلا هذه الأبيات الثلاثة:

هنا شمس تَوارت بالحجاب ... هنا كنز تغطّى بالتراب

هنا علم طوته يد المنايا ... هنا سيف تجلّل بالقراب

هنا من معدن الحق المصفّى ... يتيم في الجواهر ذو اغتراب

<<  <  ج: ص:  >  >>