للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن نفسي تحدثني ولا تكذبني أن هذا التكريم الذي تفتنّ فيه بغداد ليس مصروفًا لشخصي، إنما هو موجّه إلى وطني وأبناء وطني الذائدين عن حماه.

وأحييكم عن جمعية العلماء الجزائريين التي أتت بما يُشبه معجزة موسى في إنقاذ أمّة، وبما يُشبه معجزة عيسى في إحياء ميّت، وكانت هي في نفسها من معجزات محمّد - صلى الله عليه وسلم - في خدمة دينه وإحياء لسانه.

وأحييكم باسم الشمال الافريقي الجبّار على الأعداء وعلى العوادي، الثائر على الهوان والظلم منذ برأه الله، مقبرة الطغاة، وجحيم البغاة، لا مقصرًا إن شاء الله في جزائه، ولا مفرّقًا لأجزائه، ولا معترفًا بالحدود التي خطتها يد الظلم والعدوان.

أحييكم عن تلك الأقطار التي فرّقت بينها وبينكم الأقدار وأسمعكم من ألحانها الحزينة نجواها، وأبثّكم من أحوالها المؤلمة شكواها، بلسانها الحرّ الأصيل المعرب، وبيانها العذب الشجي المطرب، تحياتٍ تصافح مواطن الإحساس من نفوسكم، وتخالط معاقد الإيمان من قلوبكم، وتحرّك أوتار الحمية في صدوركم، وتنتظر رجع الصدى بإرواء الصادي، ودلالة الهدى من الدليل الهادي، ونعرة الفدا من الشقيق الفادي.

فحيّاكم الله وأحياكم وأدامكم وأبقاكم، وذخركم للعروبة تصلون أسبابها، وتردّون عليها نضرتها وشبابها، وللإسلام ترفعون أعلامه وتدفعون ظلّامه، وللشرق تؤدّون فرضه، وتردّون قرضه، وتصونون عرضه، وتصعدون سماءه فتحفظون أرضه.

أيها الإخوان:

إن الشمال الأفريقي كله فلذة من كبد الإسلام، وقطعة من وطن العروبة الكبير، وبقية مما فتح عقبة والمهاجر وحسّان، وإنّ هذا الوطن هو أحد أجنحتكم التي تطيرون بها إلى العلاء، وانه لامتداد لوطنكم الأكبر، وانه متصل بكم اتصال الكفّ بالساعد، تصلون إليه كما وصل أجدادكم مشيًا، ويصل إليكم كما وصل أسلافه حبوًا، فريشوا هذا الجناح المهيض حتى تقوى قوادمه على الطيران، وصونوا حماه فإنه حماكم، وذودوا عن حوضه فإنه حوضكم. إنّه يحمل أمانة الأجداد التي تحملونها فأعينوه على التحرير، وأنقذوه من سوء المصير.

إن في هذا الشمال الذي يحدثكم لسانه كنوزًا من تراث العربية والإسلام طمرها الاستعمار برطاناته عمدًا، وطمس محاسنها بحضارته قصدًا، فأعينونا بقوة تستخرج هذه الكنوز بإحياء الأخلاق والآداب والتاريخ.

إن بينكم وبينه صلات من اللغة والدين، وأرحامًا من الجنس والخصائص، فصلوا هذه الأرحام يكنْ بعضنا لبعض قوة.

<<  <  ج: ص:  >  >>