للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وطوائف، والآخرون رجال السياسة الغاشون الذين بدّلوا المشرب الواحد فجعلوه مشارب ... فهل هبة من روح الإسلام على أرواح المسلمين تذهب بهؤلاء وهؤلاء إلى حيث ألقت، وتجمع قلوبهم على عقيدة الحق الواحدة وألسنتهم على كلمة الحق الجامعة وأيديهم على بناء حصن الحق على الأُسس التي وضعها محمد - صلى الله عليه وسلم -. ولا مطمع لنا في الوصول إلى هذه الغاية إلا إذا أصبح المسلم يلتفت إلى جهاته الأربع فلا يرى إلا أخًا يشارك في الآلام والآمال ... فهو حقيق أن يشاركه في العمل.

إن الوسائل إلى هذه الغاية كثيرة وأقربها نفعًا وأجداها أثرًا أن تربى الأحداث من الصبا على غير ما ربّانا آباؤنا وأن نحجب عليهم نقائصنا، فإن اطّلعوا عليها سمّيناها باسمها وأنها نقائص وأنها سبب هلاكنا وحذّرناهم من التقليد لنا فيها. فإذا شبّوا على هذه الهداية سلكنا بهم سبيل الحق الواحدة ووجّهناهم بتلك القابلية إلى وجهة واحدة وحميناهم من هذه التيارات الفكرية التي تتجاذبهم ومن الذئاب الغربية التي تتخطفهم.

إن شبابنا اليوم يتخبّط في ظلمات من الأفكار المتضاربة والسبل المضلّة، تتنازعه الدعايات المختلفة التي يقرأها في الجريدة والكتاب ويسمعها في الشارع وفي المدرسة ويرى مظاهرها في البيت وفي المسجد. وكل داع إلى ضلالة فكرية أو إلى نحلة دينية مفرّقة يرفع صوته ويجهر ويزين ويغري ويعد ويمني ونحن ساكتون. كأن أمر هؤلاء الشبّان لا يعنينا وكأنهم ليسوا منّا ولسنا منهم، ولا عاصم من تربية صالحة موحّدة يعصمهم من التأثّر بهذه الدعايات ولا حامي من مذكّر أو معلّم أو مدرسة أو قانون يحميهم من الوقوع في هذه الأشراك.

إن شبابنا هم هدف هذه الدعايات وهم ميدان الصراع وموضوع النزاع بين دعاة الفكرة الجامعة وصوتهم ضعيف وعملهم ضئيل، وبين دعاة الشيوعية والإلحاد والوطنيات الضيّقة والعنصريات المحدودة وأصواتهم عالية وأسنادهم قوية ومحرّكهم الأول واحد، وإن لم يشعروا به أو غالطوا أنفسهم وغالطونا فيه وما هم إلا أسلحة في يده موجّهة إلى شبابنا، إن لم يصب بواحد منها أصاب بالآخر، وهو الظافر على كل حال، إن لم تعالجه بما يبطل كيده ويفل أسلحته كلها. وهو حماية هذا الشباب وتحصينه بالمعوذات من فضائل الإسلام وأخلاقه وروحانيته وإن فيه العوض المضاعف عن كل ما تمنيه به الدعايات الخارجية.

إذا كان الشباب لا يفهم الدين من البيت ولا من المسجد ولا من المدرسة ولا من المجتمعات فإن فهم شيئًا منه في شيء منها فهمه خلافًا وشعوذة وتخريفًا، ففي أي موضع يفهم الإسلام على حقيقته طهارة وسموًا واتحادًا وقوة وعزّة وسيادة؟ إن عاملناه بالإنصاف نقول انه معذور إن زلّ وضلّ بالانسياق مع هذه التيارات الخاطئة التي تختلف بالأسماء والمبادئ وتتفق في الغاية وهي حرب الإسلام في أبنائه لتحاربه بعد ذلك بأبنائه ...

<<  <  ج: ص:  >  >>