للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم قال:

أيها السادة: كانت هذه الأعمال الفظيعة التي صبّها الاستعمار على الجزائر حافزة لنا على مضاعفة العمل، ودافعة لطائفة من العلماء الغيورين على أن يقاوموها بكل ما يستطيعون من قوّة مهما كلفهم ذلك من تضحيات وجهود حتى لا يتركوا للمستعمر أية فرصة ينفذ فيها أغراضه المنكرة للقضاء على شخصية الأمة ومقوماتها- لا قدّر الله-، ويتضح هذا جيدًا في خطاب ألقاه أحد الخطباء في احتفال كبير أقامته فرنسا بمناسبة اكتمال قرن من الزمان لاحتلالها للجزائر، قال بعد أن عدد عظمة فرنسا وقوة جيشها الحربية في ذلك الحين: إننا أيها السادة لم نقم هذا الحفل في الواقع لأجل مرور قرن كامل لاحتلالنا للجزائر فحسب، لأن مائة سنة لا قيمة لها في عمر الأمم، فقد بقي الرومان في هذه البلاد عدّة قرون ثم ذهبوا، وبقي العرب في إسبانيا سبعة قرون ثم ذهبوا أيضًا، ولكننا أقمنا هذا الاحتفال لتشييع جنازة الإسلام في الجزائر، فكانت هذه الكلمة من فم هذا المستعمر الباغي كشعلة من النار في أنفس الوطنيين الأحرار، ألهبت فيهم الحماس ودفعتهم إلى توحيد الصفوف وتكتيل الجهود وتنظيم الأعمال لما يجب أن يعمل، ثم كانت لنا أخيرًا بمثابة النذير القوي لما يراد بالإسلام والعروبة في بلادنا العزيزة إن لم نقابل أعمال المستعمرين ومكرهم بأعمال إيجابية وطنية تحبط كل ما يبيّتون من نيات سيئة لهذا الوطن الإسلامي العزيز، {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ}. فاجتمعت القلوب، وتجاوبت الأرواح، وتلاقت العواطف كلها على العمل والفداء والتضحية، وفي هذا الجوّ - أيها السادة- تكونت جمعية العلماء وبرزت للوجود لتحمل الراية، وتنشر لواء الكفاح الإسلامي بين المواطنين، ثم لِتَقِفَ حجر عثرة في طريق المستعمر، فتكون شجى في حلقه وغصّة في نفسه، وحارسًا قويًا على إسلام الجزائر وعروبتها وتاريخها المجيد من كل سوء وكل مكروه، وعلى ضوء هذا الاتجاه من الاستعمار في محاربة الإسلام في الجزائر، اتجهت أعمال جمعية العلماء إلى تقوية الإسلام في النفوس، وغرسه في القلوب، وطبع حياة الأمة كلها بطابعه، ونشر اللغة العربية بين مختلف طبقات الشعب، وبذلك أحبطنا ما كان يبنيه المستعمرون من آمال في كل من تشييع جنازة الإسلام وقبر اللغة العربية في الجزائر- لا قدّر الله- {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ ائكَافِرُونَ}.

وقد أصبحت للجمعية الآن عشرات المدارس والنوادي ومراكز الوعظ والإرشاد في كل أنحاء الجزائر، كما أنَّ شُعَبَ الجمعية منتشرة في كامل القطر، وهي تقوم بمهمتها الإسلامية الوطنية بهمّة ونشاط، وللجمعية معهد ثانوي يضم بين جنباته الآن قرابة الألف طالب، يضارع أرقى المعاهد الثانوية المصرية، ومنه ترسل الجمعية بعثاتها إلى الشرق العربي، وإنّ

<<  <  ج: ص:  >  >>