للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مفاسدهم الداخلية وأكثرها نفسية فلماذا لم يصلحوها؟ وفي إمكانهم أن يستغلوا ما أفاء الله به عليهم من دين وفضائل فلماذا لم يستغلوها؟

محال أن يستقل جزء من المغرب العربي وحده ولتكن لنا في هذا عظة ألقاها علينا الاستعمار لو فقهناها وهو أنه يوم احتلّ الجزائر كان يضمر احتلال تونس ثم مراكش، ومن يوم احتلّ الجزائر وهو يستعد للخطوة الثانية فلما رأى الفرصة ممكنة خطا خطوته ونحن في غفلة ساهون، ويوم رأى إمكان الخطوة الثالثة لم يقصر وقد بلغ في الخطوة الثالثة من استخفافه بنا واستهتاره بشأننا ان سخّر الجزائري ليقتل أخاه المراكشي.

ولو كان أجدادنا على شيء من فهم معنى التضامن الإسلامي لما ترك المراكشي والتونسي الجزائر تتخبط وحدها في المقاومة ولنبّهتهم ضمائرهم أن هذا الغول ان تغذّى بالجزائر فسيتعشى بتونس ومراكش، ولكنه كان مستيقظًا وكانوا نائمين حتى انتهى الأمر إلى الغاية المحزنة.

صيحتي إلى أبناء المغرب العربي أن لا يضيّعوا الوقت في التلاوم والتعلات الفارغة، فإن الزمن سائر وإن الفلك دائر وإن الوقت أضيق من أن نقضيه في مثل هذه التوافه، فإذا لم يزعنا دين فلتزعنا المروءة، وإذا خلونا منهما معًا فلتكن الثالثة المرعية بالعين وهي هذه الذلة التي غمرتنا وهذا الاسترقاق الذي أوصلنا إلى سوء غاياته وهي أننا أصبحنا في درجة نخجل أن نسمّيها عبودية ...

وإذا كان الاستعمار قويًا كما نتخيّل فإننا نزيده قوة بتخاذلنا وتفرّقنا وتطاحن هيئاتنا وإضاعة أوقاتنا الثمينة في الجهل الفارغ والانسياق مع الأهواء المضلّلة التي أضاعت علينا استغلال الكفاءات الموجودة، وهيهات أن يحيا وطن أو يستقل بالهتافات المتردّدة من الحناجر بين يحيا فلان ويسقط فلان.

إن عدوّنا واحد فلنلقه في ميدان واحد برأي واحد وصف واحد، ولو فعلنا وأخلصنا لسعت إلينا الحرية ركضًا، ولكن عدوّنا أعلم بهذه النقائص فينا منا فهو نائم ملء عينيه ما دام يرانا على هذه الحالة. أزعجوه وأقضوا مضاجعه باتحاد لا يتزعزع وعزائم لا تتزلزل وأخلاق يذعن لها الجبابرة، ويومئذ تجدون الاستعمار وقوّته وأساليبه وتخيلاتكم فيه كلها باطلًا في باطلٍ وتجدون منها جميعًا ما يجدع الخائف من الغول الذي لا حقيقة له.

إن العقلاء ليعجبون منا كيف نرضى الهوان من المستعمر وهو هوان حقيقي من عدوّ حقيقي ثم لا نرضى بعشر معشاره من الأخ المشارك في السرّاء والضرّاء.

<<  <  ج: ص:  >  >>