للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجدت منكم ناطقًا- هي "دولة محمد" وأنه لا نسبة بينهما في عين ولا أثر، ولكن أصحاب تلك الكلمة قالوها عقيدة وتحديًا وإصرارًا فانتصروا، وسكتم أنتم عن كلمتكم جبنًا وتنكّرًا وعقوقًا فانكسرتم وتعالوا نتكاشف ... أيستطيع أحدكم أن يقولها؟ لا ... وان أكثركم ليخجل من ذكرها، ويتأفّف من سماعها، ولولا شعوبكم المرزوءة فيكم المغلوبة على أمرها بكم، ولولا بقية خشية منها فيكم لأنها سلعة التجارة ومادة المساومة فإذا لم تكن لم تكونوا. لولا ذلك لخشينا أن تطمسوا تاريخ الإسلام ومعالمه الباقية طمسًا حتى لا يذكره ذاكر ولا ينظر إليها ناظر.

...

وفي العالم الإسلامي اليوم رجال أولو رأي وإيمان وعقيدة، وفيه هيئات منظمة تلتقي على مبادئه الرشيدة، وترمي إلى غاياته السديدة، ولكن أولئك الرجال وتلك الهيئات مشتتة ليس لها مساك، وهي شاعرة بلزوم التلاقي والتعارف والتعاون، عاملة لها، لتكون أقوى على حمل الأمانة، وأسرع في الوصول إلى الغاية، ولو تيسّرت لها وسائل التلاقي والتعاون لكانت أعمالها في خدمة الإسلام أوسع وأنفع، ولا يتيسّر لها ذلك إلا إذا أسندتها حكومة من هذه الحكومات المنسوبة إلى الإسلام وآوتها ونصرتها فنفعتها وانتفعت بها، ثم عاد ذلك النفع على المسلمين حكومات وشعوبًا، وان من بلايانا أن الحكومات الاستعمارية التي تملك أمر جمهرة المسلمين تنصب العواثير في طريق هذا التلاقي، وأن الحكومات الإسلامية تقلّد الحكومات الأجنبية في هذا المذهب فتتنكّر لهؤلاء الرجال وهذه الهيئات العاملة لخير المسلمين، وتطاردهم، وتعطّل وسائلهم، ولو أنها فتحت صدرها واحتضنت العاملين وأعمالهم لكان ذلك مزيدًا في قوّتها وعزّتها، ولو أن هذه الحكومات اجتمعن تحت الكلمة الجامعة "دولة محمد" لكانت بذلك أرهب لعدوهنّ وأجلب لعزتهنّ وأدوم لسلطانهن.

توسّع الأستاذ الورتلاني في هذه النقطة من رسالته، وضرب لها الأمثال وأقام الشواهد من الواقع ونصب الميزان بين الدستور الإسلامي والدساتير الوضعية الرائجة، ووضع اليد على الرجال الذين يعوّل عليهم في تنظيم الدستور الإسلامي الكافل لمصالح البشر كلهم لا المسلمين وحدهم، ولو أن حكومة باكستان وحكومة أندونيسيا عملتا بهذه الجزئية التي شرحتها الرسالة لكوّنتا أعوانًا على تثبيت دعائمهما، وعلماء استدلاليين يهدونها سواء السبيل في نظم الدستور الإسلامي الذي هو أسمى مطلب للشعب الباكستاني العريق في إسلامه، والشعب الأندونيسي المخلص لإسلامه المعتزّ به، ولكنهما غفلتا عن هذه النصيحة، وتركتا القوانين الكافرة تتحكّم في الأمة المسلمة، فطغت عليهما الأمواج ولفتهما الأعاصير، بعد خمس سنوات من هذا النذير فتلك حكومة باكستان تصاممت حتى أسمعتها الحوادث،

<<  <  ج: ص:  >  >>