قوم يحاولون أن يغيّروا أوضاع الله وأوضاع خلقه بكلام يقولونه. هذه الفكرة هي أن الجزائر ليست وطنًا موجودًا، وإنما هي وطن يتكوّن (١) ... كأنهم يفسرون الأوطان القائمة على خصائصها الطبيعية ومدلولاتها العرقية بالمعاني الجيولوجية، فهي تتكون على نحو مما تتكون المعادن في مئات السنين أو في آلافها، ولو صحّ رأيهم هذا لما صحّ أن يوجد وطن على ظهر الأرض، وليت شعري ماذا تكون الجزائر إن لم تكن وطنًا. وماذا تراهم يقدرون من الزمن لتمام تكوينه بعد أن لم تكف لتكوينه ثلاثة عشر قرنا في نظرهم؟
إن هؤلاء القوم دلّوا بكلمتهم هذه على حقيقتهم الكاملة، وهي أنهم يكفرون بالحقائق والسنن وأنهم لو انبسطت أيديهم في الكون لمسخوا محسوساته كما مسخت حقائقه في عقولهم. إن معنى قولهم أن الجزائر وطن يتكون وليس وطنًا سويًا أنه لا وطن في أذهانهم، ولكنهم خافوا الجبه بالتكذيب فنزلوا درجة وأبقوا للوطن شيئًا من معناه تعمية وسترًا على شيء في أذهانِهِم، ومن عاش خمسين سنة آتية وسألهم هل تم التكوين؟ يجيبونه بأنه في طور التكوين ما دام لم ينته إلى معنى الذي يريدونه لكلمة وطن.
١) صاحب هذه الفكرة هو موريس طوريز، الأمين العام للحزب الشيوعي الفرنسي في الثلاثينيات والأربعينيات، وقد أخذ عنه هذه النظرية الشيوعيون الجزائريون.