للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المتأخرين لم يرقهم هذا التحليل، ورأوا أن من الوطنية عدم التسامح مع خصومهم الحزبيين، واعتقدوا أن الثورة إنما هي وليدة حزب وليست وليدة شعب، بل هي في نظرهم وليدة جماعة صغيرة كانت تعمل في الخفاء وليست وليدة قيادة وطنية مؤمنة وعريضة كانت تعمل سرًا وعلانية.

والواقع أن هؤلاء الحزبيين هم الذين ستفاجئهم الوثائق التي تضمنتها مجموعة الشيخ الإبراهيمي اليوم، لأنهم لم يكونوا منصفين عندما لم يقرأوا تاريخ الثورة في كل منعطفاته، أو عندما حصروا الثورة في حزب أو جماعة. ولعلهم كانوا يظنون أن التاريخ لن يبوح بوثائق الإبراهيمي وأمثاله ولن يكشف عن آراء ومواقف جزائريين آخرين لا يقلون إيمانًا (ولا نقول يتفوقون) بالثورة عن الذين أصبحوا معروفين أنهم صانعوها.

ولعل من سلبيات الكتابة عن الثورة الجزائرية حتى الآن هو عدم تحديد معانيها ومدلولاتها. فهل الثورة عندنا هي حمل السلاح فقط؟ إن كان الأمر كذلك فإن هناك العديد من الثوريين الذين لم يحملوا السلاح وإنما كانوا اللسان الناطق باسم الذين حملوه، ولولاهم لبقى الثوار في حصار مادي وسياسي ومعنوي قاتل، كما حصل لثوار الجزائر الذين خاضوا الحرب ضد العدو منذ هزيمة الأمير عبد القادر سنة ١٨٤٧ من دون أن يسمع بهم أحد، مما ساهم في إفشال ثوراتهم، أو هل الثورة هي فكرة تختمر وتنضج حتى تصبح مشروعًا حضاريًّا كبيرًا وعملًا مباشرًا قابلًا للإنجاز؟ أو هي شرارة بندقية ولعلعة رصاص ينطلق من كل صوب لإجبار العدو على التخلي عما اغتصبه اغتصابًا؟

إن الجواب على مثل هذه التساؤلات هو الذي سيُعفي الكثيرين من الكتاب من الخوض في موضوعات أصبحت بلا طائل مثل: من أعد للثورة؟ وما منطلقها؟ وما أهدافها القريبة والبعيدة؟ وما علاقتها بالتراث الوطني؟ وما انتماؤها الفكري؟ كما أنه هو الجواب الذي سيعطي ما لله لله وما لقيصر لقيصر، وبه ينتهي الجدل العقيم الذي يدور حول دور كل من جمعية العلماء وحزب الشعب في تفجير الثورة، وهو الجدل الذي حاول البعض المزايدة فيه بتقديم أحدهما على الآخر بدون دراية ولا دراسة موضوعية. ونعتقد ان نَشْرَ الوثائق والنصوص التي نحن بصددها سيساعد على وقف ذلك الجدل العقيم، فهي وثائق ونصوص تبرهن على أن جمعية العلماء كانت في الطليعة الثورية وأن رئيسها الشيخ محمد البشير الإبراهيمي كان لسانها البليغ المعبر عن توجهاتها وعقيدتها في وقت كانت فيه الأحزاب وقادتها تشهد تحجرًا بل تراجعًا، مما جعلها تواجه أزمات حادة بعثرت كثيرًا من الآمال والعقائد في استراتيجية التنظيم نفسه وفي زعمائه.

<<  <  ج: ص:  >  >>