للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فعل الإسلام في نفوس أسلافنا: ومن قرأ تاريخ المدن الجزائرية العلمية التي كانت لها في الحضارة أوفر نصيب: تلمسان وبجاية وتيهرت وقلعة بني حماد والمسيلة وطبنة وبسكرة، من قرأ هذه التواريخ علم أية سمات خالدة وسم بها الإسلام هذا القطر.

على هذا النحو من القوة والسموّ والإنتاج والحضارة والعلم والأدب والفن كان الإسلام في الجزائر، له في كل جو متنفس، وفي كل واد أثر، وفي كل علم أعلام، وكانت الحكومات المتعاقبة إما أن تزيد في ذلك البناء الشامخ، وإما أن لا تنقص، إما أن تجلو آثار الإسلام في الأنفس والآفاق وإما أن لا تطمس، ومهما يبلغ الحاكم المسلم من استبداد وفساد وجرأة على المخلوقين فإنه لا يحارب الله في دينه لإخراب بيوته أو منعها أن يذكر فيها اسم الله، أو بتعطيل شعائره، أو باحتجان أوقافه وصرفها إلى غير مقاصدها، وأعتبر هذا التاريخ على طوله وامتداده في قريب من اثني عشر قرنًا طورًا واحدًا للإسلام في الجزائر، هو ماضي الإسلام.

...

أما يومه فها هو: احتلت فرنسا الجزائر المسلمة العربية احتلالًا مدبّرًا مبيتًا على برنامج واسع يدور كله على محور واحد، ويرمي إلى غاية واحدة وهي إذلال المسلمين ومحو الإسلام في الشمال الافريقي كله، واحتلال الجزائر إنما هو بداية بالقلب مطوية من أول يوم على احتلال تونس غدًا ومراكش بعد غد، وبعد ذلك احتلال ليبيا، وكان الإسلام في الجزائر يوم الاحتلال قويًّا بمعنوياته ومادياته، مكينًا في النفوس، متمكنًا في الأرض بمقوّماته من معابد لإقامته ومدارس لعلومه وأوقاف دارة الريع للقيام به وحمايته والمحافظة عليه، وتشترك في ذلك الحكومة والأمّة معًا، وقد يتطرق إليهما الخلاف في كل شيء من أسباب الدنيا إلا في الدين وأسبابه، بل كانوا يختلفون في شؤون الدنيا فيكون الدين بسلطانه على النفوس هو الحامل لهم على إصلاح ذات البين وإرجاع الحاكم إلى إقامة العدل، وإرجاع المحكوم إلى التزام الطاعة وإقامة الحدود التي تحفظ الأمن والرسوم التي تضمن الوحدة، وكان الحاكم المسلم هو الذي يرقم الأئمة والخطباء للمساجد، ويختارهم من أهل العلم والفضل، ويجري عليهم أرزاقهم من الأوقاف على الشروط المقرّرة في الإسلام لتكون عبادات المسلمين صحيحة، ثم يقيم القضاة والموثقين ليحكموا بين المسلمين بأحكام الإسلام، وينفّذوها فيهم باسم الإسلام، لتكون أنكحتهم ومعاملتهم صحيحة.

فكان الإسلام في الجزائر بذلك كله هو المرجع في التشريع والتنفيذ، وهو المهيمن على العبادات والعادات، وهو المسيطر على الروحيات والماديات، وهو الموجّه لكل ما يصدر

<<  <  ج: ص:  >  >>