ـ[الأول]ـ: أثر الحرب الذاتي في النفوس، فإن الحرب تترك في النفوس آثارًا متحدة لا فرق فيها بين الجندي الذي خاضها وصارع الموت في ميادينها، وبين من تركه وراءه من بنين وأهل وآباء وأقارب وصحابة، وبين المدني الذي مسّته في حريته أو ماله، وبين الذي فاءت عليه بالخير الكثير، والمال الوفير. كل هؤلاء يشعرون بأن الحرب غير السلم،
وأن اسمها مقرون بالموت والدمار والخسارة.
ـ[الثاني]ـ: إن الجزائري- بسبب ما أبقته فيه أحداث المرحلة الثانية- كان يستعذب الذل خوفًا من الموت، ولا يفقه أنه من خوف الموت في موت، ذلك لبعد عهده بالثورات والمَقاتل، فأصبح يفرّق بين الموت الذي اسمه الموت وبين الموت الذي اسمه الذل، ويؤثر أولهما على آخرهما، وكل هذا من بركة الحرب.
ـ[الثالث]ـ: من بركات الحرب على الجزائري أنه أصبح يحتقر الفرنسي بعد ما رآه جبانًا في الميدان، وذليلًا أمام عدوّه، ومتملّقًا للأهلي في سبيل المصالح التافهة بعد ما كان يحتقره بالأمس، وبذلك ارتفعت هيبته من نفس الجزائري.
ـ[الرابع]ـ: ما تحققه الجندي والمدني الجزائريان على السواء من انكسار فرنسا، لولا تدارك أمريكا لها في آخر الأمر.
ـ[الخامس]ـ: شعور الجندي الجزائري بالعزة من تنازل الفرنسي أمامه عن كبريائه بعض الشيء خوفًا على نفسه وعلى دولته، ومن سماعه لعبارات الإطراء بالشجاعة من قوّاده الفرنسيين، ومن الحكام المدنيين، ومكافأته بالنياشين العسكرية.
ـ[السادس]ـ: اللين الذي ظهر من الحكومة الفرنسية في سياستها المحلية مع الجزائريين، وكثير من حسن المعاملة لهم نظرًا لظروف الحرب، وكانت تصطنع ذلك كيدًا، ولكن الله فضحها بكيدها، فشعر الجزائري بوجوده من جديد، وانتعشت معنوياته وحييت آماله وتجرّأ على الكلام الذي كان محرمًا عليه.
ـ[السابع]ـ: تصريحات الرئيس الأمريكي (ولسن) على أثر الحرب، ومنها ذلك الفصل المطرب الذي اهتزّت له الأمم الضعيفة، وهو حق الأمم في تقرير مصيرها، وهذا الفصل وإن لم يتحقق منه شيء، ترك في نفوس الجزائريين أثره الحسن، وفتح عيونهم، وأفاض عليهم شيئًا من الجرأة، وبسط لهم الآمال في الحرية.
ـ[الثامن]ـ: إن فرنسا ألغت تلك الأحكام الاستثناثية الزاجرة في أثناء الحرب إلغاءً سكوتيًا، ثم ألغتها على أثر الحرب قانونيًا وعمليًا، ولم تبق منها إلا بقايا في يد الوالي العام، مصحوبة بتنفيس عظيم، وهو أن الحكم لا يصدره إلا مجلس الولاية، وأن يعطى