للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تدسست إلى مكامن الإيمان والعقيدة من نفوسنا لتطفئ تلك الشعلة الإلهية فيها، وتجتث أصل الإيمان منها، ولكن الأعراق الأصيلة في الإيمان تظاهرها الأعراق الأصيلة في العروبة والصلابة الفطرية، هتفت بأولئك الدساسين: أن قفوا مكانكم ولا كرامة ... وقد يئسوا بعد قرن وربع قرن من تأثير تلك الدسائس، وكانت العاقبة أن وقع ما كانوا يتوقعونه، وها هي ذي الثورة المضطرمة في الجزائر تبيد خضراءهم، ويأكل ضعفها قوّتهم، وتجيئهم كل يوم بما لا يحتسبون، وتستنزف من مواردهم ما يعجز العادّون عن عدّه ...

أيها الإخوان:

أُخِذَ هذا الشرق المسكين أخذة السحر بعلوم فرنسا وفنونها، وقوّتها وحضارتها، وجمال أرضها حتى أصبح يفتخر بلغتها وآدابها، وينعتها بأنها أم الحرية، ومنارة العرفان، وحارسة العدل الإنساني.

أما الجزائري فإن هذه الرقى لم تستهوه مهما جوّدت أبواق الدعاية نغماتها، وما أفاق بعض الشرقيين من ذلك التخدير إلا عند احتلال فرنسا لسوريا وارتكابها الموبقات التي لا يهتدي إليها الشيطان، ثم انكشف الغطاء، وظهرت فرنسا على حقيقتها الكاملة في الاعتداء الثلاثي على مصر، وما عهده ببعيد، فإذا هي مجموعة فضائح عريانة لا تتستّر بجلباب، ولا تتوارى بحجاب.

أيها الإخوان:

إن فرنسا لم تزل في المنزلة التي خلقها الله عليها، وهي دركة الإنسانية القريبة من الحيوانية في الحد الفاصل بينهما، وآية ذلك أننا نقرأ في تاريخ الاحتلال الفرنسي لأرضنا تفاصيل الأعمال الوحشية التي ارتكبها الجيش الفرنسي مع الشعب الجزائري وصنوف التعذيب والتحريق للأحياء، وكيف كان أولئك المساكين يأوون إلى الكهوف الجبلية يعتصمون بها من الموت هم وأطفالهم ونساؤهم وما يملكون من حيوانات فيأتي الجنود الفرنسيون بأوامر من قادتهم فيسدّون منافذ الكهوف بالحطب ويضرمون فيها النار حتى يموت كل حي في الكهف احتراقًا أو اختناقًا، موتًا قاسيًا بطيئًا يذوقون في كل دقيقة لونًا منه، ويحرمونهم من الموت الوحيّ المريح، ونراهم يفتخرون بهذه الأعمال، ويسجّلونها في كتبهم ورسائلهم، وها هم أولاء بعد قرن ورُبُع قرن، وبعد أن تبدلت العقول، وفعل الزمان فعله في النفوس فبدل الشراسة لينًا والقسوة رحمة، ها هم أولاء يتفننون في أساليب التعذيب للمدنيين الجزائريين، فيقتلون الأطفال والنساء والعجزة والقعدة وعلماء الدين بأساليب وحشية من سمل للعيون، وامْتِلاخٍ للأظافر، وتمزيق لأوصال الأحياء، وما يخجل الشيطان ويأنف من تسويله والإغراء به، فكأن العالم كله تحوّل، والعقليات كلها تطوّرت، إلا الفرنسي، والعقلية الفرنسية فإنهما متحجران ثابتان في محلهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>