للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يفيض بالخير، وتكفي حاصلاته الزراعية السنوية عشرة أضعاف الشعب الجزائري، ولقد كان الوطن الجزائري قليل المجاعات يوم كانت أطرافه متباعدة ووسائل النقل تعتمد على القوافل الحيوانية، ولكنه في عهد الحضارة الفرنساوية، ووفرة وسائل النقل البخارية والميكانيكية فيه- بحيث تصل النجدة إلى أقاصي أطرافه في يوم أو بعض يوم- أصبحت تتكرّر فيه المجاعات المبيدة للجماعات في كل أربع أو خمس سنوات، وكلما احتاج جيشها إلى بضع مئات من الجنود المأجورين تعزّز بهم مركزًا أو تحارب بهم إخوانهم في المستعمرات، أو احتاج فتورُ التبشير إلى تنشيط ببضعة آلاف من الأطفال؛ دبّرت مجاعة اصطناعية تهيء لها العدد المطلوب وفق المطلوب من الجنود والأطفال، ووسيلتها إلى هذا التبرير الشيطاني أن توعز إلى الشركات الفرنسية الكبرى لتصدير الحبوب في موسم التصدير أن تصدّر أكبر كمية إلى أوربا وغيرها، وتزيل من طريقها كل القيود، وبِيَدِ هذه الشركات رؤوس الأموال الضخمة فيجمعون كل غلة الموسم في الصيف، فإذا جاء وقت البرد والحاجة وجد الأهلي المسكين الأسواق خالية من الحبوب، والأسعار مرتفعة، حتى إذا حلَّت المجاعة واستحكمت حلقاتها، وضاقت به السبل لم يجد إلا سماسرة الجندية يَغْشون الأسواق والمجامع بالطبول والمزامير يدعون الشباب إلى الجندية، ووجد المبشِّرُ الأطفال الذين عجز آباؤهم عن إطعامهم وكسوتهم، وكانوا من قبل عاجزين عن علاجهم ويائسين من تعليمهم، ووجد المُعَمِّر ما يصبو إليه من قطع الأرض التي بقيت بيد الأهلي معروضة للبيع بالثمن البخس، وبهذه الوسيلة الشيطانية خرجت معظم أطيان الفلاحة من يد أهلها، وبهذه الوسيلة دعَّمت فرنسا جيشها بتلك الكتائب من الشباب الجزائري الشجاع الذي ردَّ عليها جحافل الغزاة، وجلب لها النصر في كثير من الوقائع باعتراف الفرنسيين أنفسهم.

أما حظ التبشير من هذه الغنيمة فهو أسوأ الحظوظ لأن الحيلة التي نجح بها الكاردينال لا فيجْرِي في عهد الاحتلال الأول في تنصير قبيلة العطّاف لم يَطَّرِد نجاحها في كل وقت ولا في كل قبيلة، وغاية ما حصل عليه التبشير- مع تأييد الاستعمار في مدة قرن كامل، ومع الملايين التي أنفقت- هو بضع عشرات من مجموعة الأمة الجزائرية تنصّروا تنصيرًا سطحيًا، فلم يضرّوا المسلمين ولا نفعوا النصارى، ولا نقصوا من عداد أولئك ولا زادوا في عداد هؤلاء.

أيها الإخوة العرب:

هذه كلمة طائرة عن ثورة الجزائر، وتصوير مجمل للسياسة الفرنسية ليست من نسق التاريخ المرتب المسرود، ولكنها من نمط الكلام المتفجع، يقفز من فاجعة إلى فاجعة، وفيه كشْفٌ لحقيقة إخوانكم الجزائريين، علمتم منها أن الشعب الجزائري بقضه وقضيضه

<<  <  ج: ص:  >  >>