للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لهذه الأعباء التي لا يعرفها إلا من حملها، لم يتفرّغوا للكتابة والتدوين، ولا اتسع المجال لتلامذتهم أن يكتبوا ويدوّنوا، فقلّ الإنتاج الأدبي، بقدر ما جلت الآثار الصالحة في نفوس الشعب.

...

كاتب هذه الدراسة هو الأستاذ أبو القاسم سعد الله، أحد أبناء الجزائر البررة الناشئين في ظلّ نهضتها الحاضرة، تلقّى العلم بجامع الزيتونة، ثم رحل إلى مصر ضمن البعثات التي تفتّقت عنها النهضة العربية، وأكمل تعليمه في كلية دار العلوم إلى أن حصل على شهادة "الليسانس" في الأدب العربي، ثم رحل في هذه السنة إلى أمريكا ليتخصّص في آداب اللغة الانكليزية الأمريكية، وهو مشغوف إلى حد الافتتان بالبحث عن الآثار الأدبية والعلمية لعلماء الجزائر في جميع العصور.

وهذه الدراسة لشعر محمد العيد محاولة أولى، نلمح فيها آثار الجهد الذي بذله الكاتب في استخراج طبيعة الشاعر ونوازعه النفسية من شعره، والحكم على الشاعر من شعره وعلى العالم من آثاره العلمية، هو أقرب الطرق إلى الصدق والمعدلة، فإذا رزق الدارس حظًّا من دقّة الملاحظة وسداد الاستنباط بلغت دراسته الغاية التي يتوخّاها الدارسون ويرضى عنها المنصفون.

وقارئ هذه الدراسة قد يحكم لأول وهلة بأن صاحبها يكتب عن شاعر من الغابرين، والواقع أن محمد العيد وكاتب الدراسة جزائريان متعاصران، بل هما من بلد واحد، وإن كان الشاعر أسن وأسبق في الرحلة لطلب العلم بتونس، فلم يجمعهما زمان طلب العلم ولا مكانه، وإنما اجتمعا اجتماعًا خاطفًا لا يثمر صداقة ولا امتزاجًا، ورحم الله أسلافنا الذين كانوا يحرصون أشدّ الحرص على اللقى والسماع والرواية، ويتلقفون الكتاب والفائدة والنكتة والديوان اوالقصيدة والبيت المفرد بالسماع من المؤلّف أو الشاعر، ويتباهون بذلك ويرحلون لتحصيله من بلد إلى بلد، ولو سلكنا سبيلهم لما تردّد الأستاذ سعد الله في بعض أحكامه، كتردّده في أن الشاعر يحسن لغة أجنبية أو لا ...

إن الحكم على شعر شاعر أو له يتوقف على الإحاطة به حتى تكون الصورة كاملة أمام الدارس، وشعر محمد العيد لم يجمع كله، وإنما جمع الشاعر منه جزءًا، وزدنا نحن بمعونة الأستاذ سعد الله عدة قصائد التمسناها في بعض الجرائد والمجلات الجزائرية الموجودة بدار الكتب المصرية، لأن الثورة الجزائرية قد قطعت ما بيننا وبين الجزائر من صلات، وإن شبابنا الواعي الكاتب الدارس المتطلع كان أول مستجيب لداعي الثورة وهجر الأقلام إلى

<<  <  ج: ص:  >  >>