للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التعريب، وتطبعها، وتأخذ العهد على معلمي هذا الطور أن يلتزموا ما في تلك الكتب ولا يخرجوا عنها يمينًا ولا شمالًا، فالمعلم مهما كان ناقص التعريب يستطيع الاهتداء بالكتاب الكامل، والصعوبات إنما تعترضنا في تعريب الجيل الأول، فلا بدّ لنا من الصبر الطويل، والحزم الحازم، والحكمة الحكيمة، لنتغلّب على جميع الصعوبات، ونجتاز جميع العقبات، ولا تُبتنى الراحة إلا على التعب.

وأما النوع الكلّي من التعريب، هو التعريب الشامل النافع، وهو غاية الغايات لكل عامل مخلص للعروبة. فلا يتمّ تمامه بالعلم وحده، وإن بلغنا فيه عنان السماء، فالعلم وحده لا يفيد إذا لم تصحبه في كل خطوة تربية نفسية على شمائل العرب وهممهم، وبطولتهم، ووفائهم، وصدقهم في القول، والعمل والحال، وتضحيتهم، وإبائهم، وإيثارهم، وكرمهم، وشجاعتهم، واحسابهم، وقد قال تعالى في وظيفة الرسول: {وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ}.

فقدّم التزكية التي هي التربية على تعليم الكتابة والعلم، وهذا النوع من التعليم الكلّي يجب أن تقوم به جماعات من خطباء المساجد ومن الوعّاظ، ومن حملة الأقلام العربية المسلمة، فيتواطأوا جميعًا على نغمة واحدة وهي أن الإسلام عرّب جميع معتنقيه بالانتساب إليه، وأن كل من تكلّم العربية فهو عربي، وأن العربي لا يكون عربيًّا حتى يكون فيه كل ما أُثِر عن العرب من شمائل وأخلاق.

إذا تمّ لنا التعريب بنوعيه الجزئي والكلّي، نكون قد حصلنا على نتيجة عجز عنها من قبلنا من الدعاة المصلحين، وأدّينا حق الله وحق دينه وحق العروبة على أكمل وجه، وقمنا بالأمانة والعهد كما أمر الله، ومهّدنا للقومية العربية الكاملة بإزاحة العقبات من سبيلها، وجمعنا ما فرّقت السياسة والسياسيون منا ومن الأجانب وأنفهم راغم، وأصبحنا بهذا التعريب الشامل إذا طلبنا معلّمًا وجدناه عربي اللسان والشمائل والهمم والأخلاق قبل أن نجد فيه معلّمًا، وإذا طلبنا خطيبًا واعظًا وجدناه كذلك قبل أن نجد فيه الخطيب، وإذا طلبنا طبيبًا أو صيدليًّا أو محاميًا أو فنانًا أو قاضيًا أو جنديًّا أو شرطيًّا أو غيرهم، ممن تقوم بهم مصلحتنا العامة، وجدناهم عربًا بلسانهم، وشمائلهم، وأخلاقهم، وهممهم قبل أن نجد فيهم الموظف الشخص.

نحن معشر العرب أصبحنا في حاجة ملحّة إلى التعريب في كل علائقنا بالحياة، فنحن في حاجة إلى تعريب ألسنتنا وأفكارنا وعقولنا وأذهاننا وتصوّراتنا، وأكاد أقول ولباسنا ونعالنا وأساليب معاشنا، وهيئات أكلنا وشربنا ونومنا، وأثاث بيوتنا، فقد عمّ حياتنا كلها المسخ والقلب، ورمانا الاستعمار بالناقرة وهي فساد الأخلاق فينا، فلم يبقَ من سمات العرب شيئًا إلا توافه ودعاوى على الألسنة.

<<  <  ج: ص:  >  >>