للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإننا لا نجد لصاحبنا أثرًا يُذكر في هذا الميدان ولا صالحًا من الأعمال حصل على يده للأمة التونسية أو للأمّة الإسلامية.

فقد ولي صاحبنا القضاء، أو قضاء الجماعة على اصطلاحنا. وهذا المنصب بتونس في حقيقة أمره شعبة من شعب الملك، بل معنى من معاني التمكين و (حرز) من خواصه المنع والتحصين، واكسير يحيل الخروج عن الحد إلى نتائج الضد، فلا تسمّى السيئة معه باسمها، ولا يترتب عليها ما يترتب على السيّئات من عذل أو عزل، بل تعدّ من أسباب الترقية، وقد دام هذا إلى وقت قريب.

فهذا المنصب طريق واسعة إلى الإصلاح وميدان فسيح للأعمال، ووسيلة يفترصها الرجال العاملون لإظهار مواهبهم، ولا ينقص صاحبها إلا أن يكون عالمًا، وصاحبنا الشيخ عالم كما وصفناه، وأنصفناه، وأول ما يحتاج إلى الإصلاح- حين ولي هذا المنصب- القضاء الشرعي نفسه في نظمه وتراتيبه وتوضيح مناهج التداعي، وحسم أسباب الشر في المنازعات الوراثية المتسلسلة، وتربية العائلة القضائية من أعوان وشهود ووكلاء ومقاديم على العفة والنزاهة. والقضاء هو المظهر الأول للعزة، فلم يجر صاحبنا في الإصلاح قدمًا، ولم يجرّر فيه قلمًا وضاعت الفرصة على محبي الإصلاح والعاملين للإصلاح.

ثم (ارتقى) إلى الإفتاء، وهو وسيلة لا تقلّ عن سابقتها شأنًا وقوة لو استُخدمت في الإصلاح لأتت بنتائج ذات خطر، ثم إلى رئاسة الإفتاء المالكي فيما أظن، (وهنا خانتني الذاكرة)، ثم تمخضت الأحداث الطافرة عن تبدّل في الأوضاع وتفنن لا خطر له في عالم الاختراع، فأصبح صاحبنا شيخًا للجامع المعمور وشيخ إسلام. وتهيأت له بهذه الوظائف التي لا وراءها كل أسباب العمل، وأصبح يظاهر بين درعين من الثقة به والرضى عنه، ويستند إلى ركنين من المشيختين. فماذا فعل؟ وماذا أجدت مشيخته للجامع على الجامع؟ وكنا ننتظر للجامع في أيامه إصلاحًا واسع النطاق، وسعدًا مشرق الآفاق، فلم تكن إلا تلك النكبة المشؤومة على الجامع وعلى المسلمين والتي مهّدت السبيل للداء الوبيل؟

وهذه جهته العملية جلوناها على القرّاء باختصار، وإذا محّصنا هذه الجهة التي هي مناط الإكبار للرجل فلم نجد فيها كبيرًا لم يبق لفتياه من شأن إلا أنها فتوى رجل فقيه ... ينقدها من يشاء نقدها ولو كانت ملفوفة في (شال) ويتركها من يشاء تركها، فما ثقل بها ميزان ولا شال.

أما أنا فإنني أحتفظ بحقي في المسألة.

وبعد، فهل يظن الشيخ أننا لا نعرف من أحوال تونس إلا كما يعرف هو من أحوال الجزائر مثلًا؟ أو أننا لا نعنى بها وبغيرها من بلدان الإسلام إلا بشبه من عنايته؟ أو يتوهم أن

<<  <  ج: ص:  >  >>