للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أيها السادة،

حقيقةٌ ما يصوّره شوقي من ولادة الهدى ليلة ولد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وما يصوره من استنارة الكائنات، كأن الفجر طلع على الدنيا بنوره وإشراقه فمحا الظلم وأحيى الأمم وملأ الكون بهجة وبشاشة ورونقًا، وصحيحٌ ما تخيله شوقي من أن للزمان فمًا كان مطبقًا على مضض، ولسانًا كان مفحمًا بالشر ملجمًا بالباطل، فكانت ليلة ميلاده - صلى الله عليه وسلم - مصحوبة بالهدى والحق والنور، سببًا في تبسّم فم الزمان وافتراره وفي إطلاق لسانه بالثناء وانتشاره، ولقد كان الزمان عابسًا لما يقع من شرور بني آدم وضلالهم، فلا عجب أن يتهلّل ويستبشر حينما تمخضت إحدى لياليه عن ميلاد سيّد البشر الذي جاء بالهدى ودين الحق.

ليس السرّ- أيها السادة- في أن مولودًا وُلِدَ، ولو في بيت رفيع العماد كبيت عبد المطلب، وهو مَن هو في بني هاشم، وهاشم هو مَن هو في قريش، وقريش سنام العرب وعمّار البطحاء وسدنة بيت إبراهيم. وكم من مولود وُلِد في تلك الليلة وفي أمثالها من الليالي، فما زانوها ولا زانتهم، ولا زادوا الوجود الذي أتوه شيئًا، ولا نقصوا العدم الذي فارقوه نقطة، ولا زادوا في سجل التاريخ حرفًا.

إنما السرّ الذي يجب أن يتبيّنه السامعون الواعون هو أن هذه الليلة وُلد فيها الهدى الذي محق الضلال، ووُلد فيها الحق الذي محا الباطل، ووُلد فيها النور الذي نسخ الظلام، ووُلد فيها التوحيد الذي أمات الوثنية، ووُلدت فيها الحرية التي انتقمت من العبودية ووُلد فيها التساوي الذي قضى على الأثرة والأنانية، ووُلد فيها التآخي الذي أبطل البغي والعدوان، ووُلدت فيها الرحمة التي قضت على القسوة والجبروت وعلى البخل وآثاره، ووُلدت فيها الشجاعة التي تنصُر الحقيقة وتمهّد الطريقة، وبالإجمال وُلد فيها الإسلام وما أدراكم ما الإسلام.

أيها السادة،

هذه بعض الذكريات التي توحيها إلينا ليلة المولد النبوي، فتثير الهمم الرواكد، وتستفز العزائم الفاترة، وتصحّح ما اندثر من الحقائق والعقائد، أحْيُوا هذه الذكريات في نفوسكم ونفوس أبنائكم وبناتكم، تحيوا ويحيوا مسلمين صالحين مصلحين هادين إلى الحق مهديّين به. والسلام عليكم ورحمة الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>