للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما الفصل الثالث فكان مقررًا أن يُخْرَج بمدينة تلمسان، حيث أراد الفرنسيون بالإمام الإبراهيمي كيدًا. فجعلهم الله من الأخسرين، ودافع عن الإمام بشخص يكتم إيمانه، يسمّى يحيى بُوثمَنْ- من بني ورتلان بالقبائل الصغرى- كان موظفًا في نيابة العمالة بتلمسان، استرق السمع، فعلم بالمؤامرة، فأخبر الإمام بأن الملأ يأتمرون به، ونصحه بالخروج من تلمسان بضعة أيام (٣٧)، فخسر هنالك المبطلون.

وشهدت سنة ١٩٣٧حدثًا علميًا كبيرًا وتظاهرة إسلامية عظيمة بمدينة تلمسان، بمناسبة تدشين مدرسة دار الحديث التي وضع الإمام الإبراهيمي أساسها، ورقع قواعدها، وأعلى سمكها، وكان يعتبرها نواة لمشروع علمي كبير كانت تصوّره له الخواطر، يعيد به مجد تلمسان العلمي.

أذّن الإبراهيمي في الجزائريين ليشهدوا افتتاح دار الحديث يوم٢٧ سبتمبر١٩٣٧، فلبّى نداءه الآلاف، وأتوه من كل فج في الجزائر يتقدمهم الإمام عبد الحميد بن باديس الذي رأى من آيات أخيه الإبراهيمي ما جعله يصفه- فيما بعد- بـ "محيي تلمسان " (٣٨).

عضت فرنسا على الإبراهيمي الأنامل من الغيظ؛ لأنه أحيا ما أماتته من دين ولغة، وأَنْشَر ما أقْبَرَتْه من أمجاد، ووحّد ما فرّقته من صفوف، ونزع من الصدور ما زرعته من خوف، فأمر الوالي العام الفرنسي بغلق دار الحديث يوم ٣١ ديسمبر وتحدّى الإمام الإبراهيمي السلطات الفرنسية و "رفض التوقيع على محضر الأمر بغلق المدرسة (٤٠، وقدّم إلى المحاكمة بتلمسان يوم ٢٧ يونيو ١٩٣٩و " قُضي عليه بالغرامة " (٤١)، "وهو الحكم الذي كّدته محكمة استئناف الجزائر، ((٤٢. ولكن هذا الترهيب، وهذا الترويع لم يُجد فرنسا، ولم يُقْعد الإمام عن مواصلة نشاطه، فاستمرّ في عمله، مؤمنًا بأنه لن يصيبه إلا ما كتب الله له، مستيقنَا أن الله يدافع عن الذين آمنوا، ويثبت أقدامهم، ويربط على قلوبهم.

إن قيمة دار الحديث المعنوية والمادية، والأمل المعلّق عليها، ومكانة مؤسسها في قلب الإمام ابن باديس جعله يوليها اهتمامًا كبيرًا، فكان يذكرها في الخطب العامة والمجالس


٣٧) من محاضرة للشيخ محمد الصالح رمضان يوم ١٩٩٦/ ٥/٧ بالمعهد الوطني العالي لأصول الدين بالجزائر، وانظر محمد خير الدين: مذكرات ... ٣٤٠/ ١.
٣٨) جريدة "البصائر"، عدد ١٣٧الجزائر ٢٨ أكتوبر ١٩٣٨. وقد اختار الإمام الإبراهيمي موقع مدرسة دار الحديث في مواجهة الثانوية الفرنسية "دوسلان " ( de slane).
٣٩) أبو القاسم سعد الله: الشيخ الإبراهيمي في تلمسان، مجلة "الثقافة"، عدد١٠١، - صلى الله عليه وسلم - ٩٣.
٤٠) نفس المرجع، وهو ينقل عن تقرير والي ولاية وهران إلى الوالي العام الفرنسي.
٤١) مجلة "الشهاب"، جزء ٨، مجلد١٤، قسنطينة، أكتوبر ١٩٣٨.
٤٢) أبو القاسم سعد الله: الإبراهيمي في تلمسان، مجلة " الثقافة"، عدد ١٠١، ص٩٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>