للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأرض: بنى إسرائيل، والعرب، وإن كانت الطائفتان مُتَفَاوِتتَيْنِ كلَّ التفاوت في فهم الدين، وتذوقه، وتحمّله، وأدائه، والائتمان عليه، بتفاوت الاستعداد والزمن، وظهور الرسالة، وقوّة الاضطلاع، واستحقاق الاستخلاف والتَّمكين.

ويكفينا فرقًا بين الِاستعداد والِاستعداد أَنَّ بني إسرائيل قالوا لأَعظم (٢٥) رسُلهم، بعد أن قادهم إلى العِزّ، وأنقذَهم من الِاستعباد والهوان، وبعد أن رأوا الآيات (٢٦)، وانثالتْ (٢٧) عليهم النِّعَم الإلهية على يديه: ... (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (٢٨).} واتخذوا (٢٩) في غيبته عجلًا جسدًا (٣٠) له خوار، ولم يكفهم ذلك، بل ... {فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ (٣١)}، ولم يفارقهم الحنين إلى الوثنية، فقالوا، عندما رأوا ما يذكِّرُهم بها: ( ... اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ، قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (٣٢)}، ثم خلفوه في دينه بعد موته أسوأَ خلافة، فبدّلوا وغيروا، وحرّفوا الْكَلِمَ عن مواضعه ونسُوا (٣٣) حظًا مما ذُكّروا به حتى ضرب الله عليهم الذلة والمسكنة، وتأذّن (٣٤) ليَبْعَثَن (٣٥) عليهم إلى يوم القيامة مَنْ يَسُومهم (٣) سوءَ العذاب، كما هو مشاهد بالعيان في كلِّ زمان وفي كلّ مكان. وكأن تاريخ الإنسانية عَيِيَ بهم، فهم يترددون على لَهَوَاته (٣٧) تردُّد اللُّقْمة غيرِ السَّائغة إلى يوم القيامة، ومن جار على حقائق الله جارت عليه حقائقُ الوجود.

أمَّا العربُ فكانوا لرسولهم على النقيض ممّا كانت عليه إسرائيل لِرسولها، فلم يَرْتَبْ مُؤْمِنٌ منهم بعد إيمانه، ولم تخالطْ يقينَه في الله وفي الحق شبهةٌ، ولا طاف بنفسه طائفُ الوثنية بعد أن عَمرت بالتَّوحيد، بل آوَوْا ونَصَرُوا، وجاهدوا وصبروا، وفارقوا ديارهم وهاجروا، ثم خلفوه في دينه بعد موته أحسن خلافة، فهمًا وعملًا ونشرًا وتطبيقًا، وما دخلت


٢٥) موسى عليه السلام.
٢٦) البراهين.
٢٧) انهالت، انصبت.
٢٨) سورة المائدة، الآية ٢٤.
٢٩) تراجع الآية ١٤٨ من سورة الاعراف.
٣٠) لا روح فيه.
٣١) سورة طه، الآية ٨٨.
٣٢) سورة الأعراف، الآية ١٣٨.
٣٣) تركوا نصيبًا وافيًا مما أُمِرُوا به في التوراة، تراجع الآية ١٣ من سورة المائدة.
٣٤) أعلم، أو عزم وقضى.
٣٥) لَيُسَلِّطَنَّ.
٣٦) يذيقهم ويكلفهم، تراجع الآية ١٦٧ من سورة الأعراف.
٣٧) جمع لهاة، واللهاة: اللحمة المشرفة على الحلق في أقصى سقف الفم.

<<  <  ج: ص:  >  >>