للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بلاغ للناس: البلاغ والبلوغ مصدران للفعل "بلغ" الثلاثي، ومعناهما الوصول إلى النهاية في الأزمنة أو الأمكنة وغيرهما من الأمور الأخرى، وتصاريف هذه الكلمة في القرآن الكريم لا يخرج عن هذا المعنى، كقوله تعالى (٩١): { ... حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ (٩٢) وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً ... }، {لَهُ (٩٣) دَعْوَةُ الْحَقِّ، وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِلَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ (٩٤) فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ ... } {قُلْ (٩٥) فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ (٩٦) الْبَالِغَةُ ... }، {وَقَالَ (٩٧) فِرْعَوْنُ (٩٨) يَا هَامَانُ (٩٩) ابْنِ لِي صَرْحًا (١٠٠) لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (١٠١)}، وتبليغ الرسل وبلاغهم يؤديان هذا المعنى أيضًا، فهو إيصال كل ما كلفوا إيصالَه عن الله إلى عباده من دينه، وشرائعه ووحيه إيصالًا كاملًا غير منقوص.

ويقال شيء بالغ إذا كان متناهيًا في صفة مميزة كقوله تعالى (١٠٢): {أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ... } أي عهود مؤكدة بالأيمان متناهية في التأكيد والتوثيق (١٠٣)، ومنه بلوغ الحلم، وقد يقصر بهذه الكلمة عن معنى التناهي، وتطلق على ما يقاربه ويشارفه لمعنى، وهذا النحو، وهو اطلاق اللفظ على قريب من معناه، شائعٌ في العربية، معدود من مجازاتها المشهورة، وعليه حُمِلَ قوله تعالى (١٠٤): {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ (١٠٥) بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ، وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ، وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ، ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَمَنْ يَتَّقِ (١٠٦) اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا}، فليس


٩١) سورة الأحقاف، الآية ١٥.
٩٢) أدرك كمال قوته وعقله، وغاية نموه، نضج، قوي ...
٩٣) سورة الرعد، الآية ١٤.
٩٤) ليصل الماء إلى فمه.
٩٥) سورة الأنعام، الآية ١٤٩.
٩٦) الحجة البينة الواضحة: أي بإرسال الرسل وإنزال الكتب.
٩٧) سورة غافر، الآية ٣٦.
٩٨) فرعون اسم أطلق على ملوك مصر القدماء، ومنهم فرعون الخروج الذي اضطهد بني إسرائيل وعزم على قتل موسى فطارده وغرق في البحر.
٩٩) وزير فرعون.
١٠٠) قصرًا عاليًا.
١٠١) الطرق والوسائل.
١٠٢) سورة القلم، الآية ٣٩.
١٠٣) الأحكام.
١٠٤) سورة الطلاق، الآية ٢.
١٠٥) فراجعوهن إلى عصمة النكاح ان شئتم مع الإحسان في صحبتهن أو اتركوهن حتى تنقضي عدتهن.
١٠٦) ومن يراقب الله في أعماله ويقف عند حدوده يجعل له من كل هم فرجًا ومن كل ضيق مخرجًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>