للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْحَشْوِ الَّذِي أَلِفُوا أَنْ يَخْتِمُوا بِهِ الْأَبْيَاتَ، ضُعْفًا مِنْهُمْ، وَضَيْقَ عَطَنٍ فِي الْعَرَبِيَّةِ وَقِصَرَ بَاعٍ فِي مُفْرَدَاتِهَا وَتَرَاكِيبِهَا، وَفِي أَكْثَرِ أَبْيَاتِهَا "لُزُوُمُ مَا لَا يَلْزَمُ" مِنَ الْتِزَامِ حَرْفَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ فِي الرَّوِيِّ، وَمَعَ ذَلِكَ فَكُلُّ مَا فِيهَا مِنْ هَذَا النَّوْعِ مَقْبُولٌ مُتَمَكِّنٌ. وَفِيهَا كَثِيرٌ مِنْ أَنْوَاعِ التَّجْنِيسِ، وَكُلُّهَا مِنَ النَّوْعِ الْعَالِي، الْمُتَمَكِّنِ لَفْظُهُ وَمَعْنَاهُ الْبَرِيءِ مِنْ التَّكَلُّفِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ اسْتِرْسَالِ الطَّبْعِ، وَقُوَّةِ الْأَسْرِ، وَرُوحِ الْمَلَكَةِ فِي الْعَرَبِيَّةِ، وَفِيهَا أَبْيَاتٌ مُسْتَقِلَّةٌ بِمَعَانِيهَا، تَجْرِي مَجْرَى الْأَمْثَالِ، وَفِيهَا طَائِفَةٌ مِنَ الْأَلْفَاظِ الْغَرِيبَةِ، الَّتِي لَمْ يَأْلَفِ الْكُتَّابُ وَالشُّعَرَاءُ اسْتِخْدَامَهَا، وَحَبَّذَا لَوْ اسْتَعْمَلُوهَا وَأَكْثَرُوا مِنْهَا، فَإِنَّهَا زِيَادَةٌ فِي ثَرَاءِ اللُّغَةِ وَتَوْسِيعٌ لَهَا، وَلَيْسَ فِي الْأَرَاجِيزِ الْعِلْمِيَّةِ الَّتِي امْتَلَأَتْ بِهَا الدُّنْيَا شَيْءٌ سَهْلٌ مُسْتَسَاغٌ إِلَّا قَلِيلًا مِنْ أَرَاجِيزِ فُحُولِ الْبَيَانِ، مِثْلُ رَقْمِ الْحُلَلِ لِابْنِ الْخَطِيبِ، وَدُوَلِ الْإِسْلَامِ لِشَوْقِي، وَمَا رَأَيْتُ قَوْمًا طَاعَ لَهُمُ الزِّجَزَ وَانْقَادَ كَعُلَمَاءِ شَنْقِيطْ، مَعَ السُّهُولَةِ عَلَيْهِمْ فِي النَّظْمِ، وَمَتَانَة السَّبْكِ.

وَبَعْدُ، فَقَدْ دَاعَبْنَا بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ، ثَلَاثَةَ أَسَاتِذَةٍ، هُمْ لَنَا أَبْنَاءٌ، وَهُمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ إِخْوَةٌ كُلُّهُمْ أُدَبَاءُ، فَعَسَى أَنْ تَكُونَ حَافِزَةً لِهِمَمِهِمْ فِي التَّدْرِيبِ عَلَى هَذَا النَّوْعِ الرَّاقِي مِنَ الْأَدَبِ الْهَزْلِيِّ. وَلَوْ نُظِّمَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ فِي عُصُورِ الْإِقْبَالِ عَلَى الْأَدَبِ، لَطَارَتْ كُلَّ مَطَارٍ، وَتَلَقَّاهَا الرُّوَاةُ وَالنَّقَلَةُ بِمَا تَسْتَحِقُّهُ مِنْ إِجْلَالٍ.

محمد البشير الإبراهيمي

<<  <  ج: ص:  >  >>