للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

متواترة، وأن كل ما ألصق بالدين من المحدثات فهو بدعة يجب اعتبارها ليست من الدين، وإن تراءت في صورة ما يقتضيه الدين. ومن الأسف أن هذه الحركة لم تنتج النتيجة المطلوبة ولم يصحبها من النظام والحكمة ما يجعلها سريعة الدخول في أذهان الناس.

- ٢ -

فمن المفيد في اجتماعنا أن نعير هذه المسألة جانب الاهتمام ونسعى في تقريب حقائق الدين من أذهان الأمة على السنة الأولى في نشره وهي الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، ونسعى في إقناع الأمة بأن هذا الدين دين عملي لا تستغرق معرفة أحكامه هذه العشرات من السنين التي يبددها طلاب العلم الديني منا، وأنه يجب الرجوع في طريق الاستدلال على العقيدة إلى طريقة القرآن وهي إلفات النفس وتوجيهها إلى الاستدلال بالمخلوقات على الخالق، وأن هناك فرقا عظيما بين العقيدة والعبادة والمعاملة وأنه لا مدخل لغير المعصوم في إثبات ما هو عقيدة أو ما هو عبادة، وأن المعاملة مبنية على مراعاة مصالح البشر ونظام اجتماعهم العمراني، ولذلك كانت أغلب أحكام المعاملات المأخوذة من القرآن كلية قل أن نعثر فيها على التفصيل، وأن الأنسب لسماحة الدين وبقائه وصلاحيته لكل زمان ومكان أن يكون للزمان والمكان والعرف والعادة والبيئة مدخل في تكييف أحكام المعاملات وتطبيقها على الحوادث الجارية. وأن التاريخ شهد بأن أسلافنا كانوا يراعون هذا المعنى في إدارتهم الإسلامية وفي سياستهم للشعوب الأخرى. يصحب هذا السعي سعي آخر ملازم له وهو السعي في نشر اللغة العربية التي هي لغة الدين ولغة الآداب القومية ولغة التاريخ القومي.

وسعي ثالث لازم لهما وهو السعي في نشر التاريخ الإسلامي الصحيح بلغته، المتضمن للثقافة الإسلامية العربية، فإذا اشتمل اجتماعنا على هذه المساعي كنا قد عرفنا للاجتماع قيمته وأخذنا بثمرة من ثمراته وفائدة من فوائده وقلنا وقال الناس "إنه اجتماع منتج".

وأما اللازم الثاني وهو الأخلاق فنحن أحوج ما نكون إليه في هذا الزمان الذي كثرت فيه المبادئ العاملة على هدم الأخلاق الخيرية وكثرت فيه الأذواق المتطرفة التي تستمرئ الرذيلة على الفضيلة.

وإذا كان عقلاء الأمم التي هي أرقى منا بكثير تشكو فساد الأخلاق في أممها فمن نحن وأين نكون؟

فالواجب على اجتماعنا الذي ننشد تكوينه أن يبذل مجهودات قوية لرفع درجة الأخلاق عندنا، ومن فكري الخاص أن هذه الناحية من أمراضنا هي أيسر معالجة من جميع النواحي

<<  <  ج: ص:  >  >>