للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تتعذر، وكلها تمهيدات تخفّف عنهم المشقّة، فليجتهدوا في تنفيذها وليحقّقوا غاياتها ومراميها، وليجعلوها دستورًا يقفون عند نصوصه، ويجمعون ما تفرّق من أساليبهم الخاصة في التعليم عليه بخصوصه، وليتبيّنوا أن الغاية من توحيد البرنامج هي توحيد التعليم والتربية، حتى ينشأ هذا الجيل مطبوعًا بطابع واحد في لسانه وبيانه وقلمه، وفي تفكيره ومشربه، وفي آرائه في الحياة ونظرته إليها وأحكامه عليها.

إن الذبذبة التي شهدنا آثارها السيئة في هذا الجيل الذي نحن في آخره، معظم السبب فيها آت من قارئيه ومتعلميه- على قلّتهم- فهم على تفاهة معلوماتهم وقلة محصولهم من المعرفة، لا يرجعون إلى أصل واحد في التعليم ولا إلى منهج واحد في التربية. وإذا اختلفت الأصول والمناهج في أمّة واحدة كانت كلها فاسدة، لأن الصالح كالحق لا يتعدد ولا يختلف. وخير المناهج لأمّة كأمّتنا في ظرف كظروفنا ما خرج سالكه بفكر صحيح وإن لم يخرج بعلم كثير ... وإن رجائي أن يكون هذا "المرشد"- إن وقفتم على تنفيذه- سببًا في توحيد أفكار هذا الجيل وفي تصحيح اتجاهه إلى العلم والحياة.

...

أعيذكم بالله يا أبنائي المعلّمين أن تجعلوا كل اعتمادكم في تربية الصغار للرجولة على البرامج والكتب. فإن النظم الآلية لا تبني عالمًا ولا تكون أمّة ولا تجدّد حياة، وإنما هي ضوابط وأعلام ترشد إلى الغاية، وتعين على الوصول إليها من طريق قاصد وعلى نهج سويّ. أما العمدة الحقيقية في الوصول إلى الغاية من التربية فهي ما يفيض من نفوسكم على نفوس تلاميذكم الناشئين من أخلاق طاهرة قويمة يحتذونكم فيها ويقتبسونها منكم، وما تبثّونه في أرواحهم من قوة وعزم، وفي أفكارهم من إصابة وتسديد، وفي نزعاتهم من إصلاح وتقويم. وفي ألسنتهم من إفصاح وإبانة. وكل هذا مما لا تغني فيه البرامج غناء. ولو كانت البرامج تكفي في التربية لكان كل عالم مربّيًا، ولكن الواقع خلاف هذا.

أي أبنائي المعلّمين:

هناك أمم تقدّمتكم في العلم والمعرفة والنظام، فخذوا من مباديها العبرة، وخذوا من مصايرها العظة، وإن عبرة العبر لكم فيها أن العلم وإن تشعبّت عندها أغصانه، وتفرّعت أفنانه، وأسلس لها عَصِيُّهُ حتى فتحت به مغلقات الكون، لم يغن عنها فتيلًا مما تغني الأخلاق والفضائل.

إن العلم لم ينه مفسدًا عن الإفساد، ولم يزع مجرمًا عن الإجرام، ولم يمت في نفوس الأقوياء غرائز العدوان والبغي على الضعفاء، بل ما زاد المتجرّدين من الفضيلة إلا ضراوة بالشر، وتفنُنًا في الإثم. فاجعلوا الفضيلة رأس مال نفوس تلامذتكم واجعلوا العلم ربحًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>