للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقدناه- أيها الإخوان- بل فقدته الأمة الجزائرية، بل فقده الإسلام، أحوج ما كان الجميع إلى علمه وآرائه، وإلى عزمه وإقدامه، وإلى شجاعة قلبه ولسانه، وإلى ثباته ووَثَباتِه. إن فقد إمامنا جرح لا يندمل، وإن ذكره وذكراه كلما جال على اللسان أو جاش به الخاطر جراحات تتنزى ألمًا وإن لم تثغب دمًا، وإن نَكْءَ الجرح بالجرح أوجع، نعم، نعم، وإن أنكى من هذه الجراحات أن يموت الإمام في مثل هذه الزعازع الهوج التي أجرت الألسنة فعاقتها عن البَوْح، وكبتت الخواطر المعتلجة بالثناء العاطر فسدّتها عن الفَوْح. ولولا الرجاء في يوم تتجلّى عنه الغيوب، فتفيض فيه العبرات المحبوسة والزفرات المكبوتة، وتجيش فيه الألسنة بما فيه الوفاء للراحل والكفاء للتاريخ، وتقوم الأمة بما عليها من حق التمجيد المشروع، لولا ذلك الرجاء لَذهبتْ منا النفوس حسرات.

فيا يومُ عمْ صباحًا، وأشرق على الخابطين لمّاع الجبين وضّاحًا، ويا يوم، من لي بك من يوم! كن بعض أيام عمري أكن نائحة المأتم وغراب الندبة على من لم تشرق أمثالك على أمثاله منذ أزمان.

أيها الإخوان: إن من حق إمامنا علينا أن نترحّم عليه وأن نستغفر له قيامًا بحق السنّة، وأن نمضي متآزرين في تنفيذ أعماله وتحقيق آماله، وأنتم أعلم الناس بأعماله وآماله، فقد شاركتموه في حمل الأمانة وتأديتها في حال حياته، فعليكم أن تضطلعوا بتتميمها بعد وفاته.

أيها الإخوان: لو كنتُ غير مَن أنا وكنتم غير مَنْ أنتم، لفاض لساني في هذه الجلسة بشكر أيادٍ سلفت منكم لأخيكم العاجز، ولكنكم في جلالة أقداركم أغنياء عن الإطراء، كما أنني في بساطتي غني عن المجاملة، وإنما أجدني مضطرًا إلى الإشادة بالثناء عليكم في موقفكم يوم مات الأستاذ الرَّئِيسُ وأرجف المرجفون بالجمعية، فوقفتم موقفًا صارمًا أرغم الأعداء وسرّ الأوداء، وأبنتم للمفترين أن من يتهمونهم بالقصور رشداء.

<<  <  ج: ص:  >  >>