للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا هو الدور الثاني

ثم جاء قانون ٢٧ سبتمبر ١٩٠٧ فكانت فصوله صريحة في فصل الدين عن الحكومة وفي إعطاء الناس حرياتهم كاملة في كل ما يتعلق بدياناتهم، وفهم الناس جميعًا أن ذلك القانون إنما يعني المسلمين دون غيرهم أو قبل غيرهم، لأنهم هم الذين كانوا محرومين من تلك الحرية، ولكن الواقع، بعد ذلك، أن ذلك القانون لم ينفذ منه ولا حرف فيما يتعلّق بالدين الإسلامي، وبقيت الإدارة الجزائرية تتصرّف في المساجد وأوقافها وموظفيها، وتقبض بيد من حديد على الوظائف الدينية، وتصرفها حسب شهواتها وأهوائها السياسية، وتضع حبائل الترغيب والترهيب في طريق الطالبين لتلك الوظائف، وتزن أقدارهم لا بالإجازات العلمية ولا باختيار الأمة المسلمة لهم، ولا بحسن السيرة بين أوساطها بل (بالدوسي) (٢) الإداري الذي لا يعرف الدين، والذي يزكي ويجرح بقواعد غير قواعد الإسلام وأصول الفضائل، ويشترط في الإمام ما لا يشترطه الإسلام. أدّت هذه السياسة التي يراد منها هدم الإسلام في دياره بالمطاولة إلى سخط عام ملأ جوانح المسلمين وأثار غضب العلماء الأحرار، فرفعوا أصواتهم بطلب بعض الحق في لين ورفق فاتهموا وعوقبوا بالمنع من تعليم دين الله في بيوت الله.

وجرت بعد حرب ١٤ - ١٩١٨ حوادث في تاريخ الوظائف الدينية ظهر فيها عامل جديد وهو: إرصاد بعض الوظائف لبعض الجنود المحاربين إرضاء لهم لا لخصوصية سوى أنهم جنود، وجرت الإجراءات على أشكال لا يرضاها الإسلام ولا يرضاها المسلمون، ولا يرضاها أحرار الفكر من الأوروبيين ولا يرضاها المتدينون منهم، وإنما ترضي رغائب استعمارية ونزعات إدارية انتفاعية، معروفة في تاريخ الاستعمار الجزائري لم يخل منها دور من أدواره، ومبنى أمرها على ملك الأبدان بالقوّة والتسلط، لا على ملك القلوب بالعدل والتسامح، وهي سياسة ظهر خطأها وفشلها منذ قرون، وكفرت بها كل الحكومات وجميع الأمم إلا الحكومة الجزائرية في الجزائر فإنها بقيت مؤمنة بها عاملة بمقتضاها آخذة بأسبابها.

قلنا إن قانون ٢٧ سبتمبر سنة ١٩٠٧ لم يطبق منه حرف بل وقع من الإدارة ما يناقضه من تشكليها لبعض هيآت دينية لا يد للأمة في اختيار أفرادها، وقد أسندت رئاستها في بعض الأوقات إلى مسيحيين، وان هذا لمن أقبح ما وقع في هذه المسألة منذ نشأت إلى الآن. ولو طبق قانون ٢٧ سبتمبر ١٩٠٧ تطبيقًا صحيحًا بنصوصه الصريحة على الدين الإسلامي في الجزائر لما حدثت المشاكل المقلقة التي أثارت الخواطر وَهَيَّجَت الأفكار في هذه السنين الأخيرة.


٢) الدّوسي: كلمة فرنسية معناها المِلَف.

<<  <  ج: ص:  >  >>