للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأن جمعية العلماء لم تزل متمسّكة بمطالبها التي يعرفها الناس لم تتساهل ولم تتنزّل.

وأن كل ما ذاع في الموضوع من كلام وكل ما أحاط به من إشاعات، وكل ما فتح فيه مع غير جمعية العلماء من مفاوضات فهو من المناورات الحكومية التي يراد بها تطويل المدة وبث التفرّق وإقصاء جمعية العلماء وإلهاء الأمة بالقشور عن الحقائق.

والفروق بين جمعية العلماء وبين غيرها تظهر في أمور منها:

إن جمعية العلماء تعتبر هذه القضية قضية أمة لا تحلّ إلا بعلمها ورضاها، والحكومة ومن لفّ لفها لا يرونها بهذه العين ولا يزنونها بهذا الميزان.

وأن جمعية العلماء بما شرحت من هذه القضية وبما درست مدة خمسة عشر عامًا ترى أنها لا تحتاج إلى إعادة نظر وفتح مفاوضات جديدة وإنما تحتاج إلى التنجيز على الصورة التي شرحتها الجمعية وفصلتها.

وإن جمعية العلماء ترى أن أوقاف المساجد هي بيت القصيد في القضية فلا يجوز التساهل فيها ولا الاغترار فيها بالوعود ولا الاكتفاء بالحلول السطحية، ولا خير لأمة فقيرة عريانة في استلام مساجد فقيرة عريانة، والحكومة- فيما اختبرنا وعلمنا- لا تريد أن ترد شيئًا من الأوقاف، أو تريد الإرضاء بصورة كلها إجحاف، وقد سمعنا منها نغمة جديدة وهي أن تسليم أوقاف المسلمين يفتح عليها باب مطالبة المسيحيين بأوقافهم، ونحن نرى أن القضيتين لا تجتمعان في سبب ولا غاية لأن الأوقاف المسيحية أخذت عقب ثورة من الأمة المسيحية على الدين ورجال الدين وعلى الحكم ورجال الحكم وانتهت بقلب نظام الحكم من ملكي إلى جمهوري، وبفصل الدين عن الحكومة بصورة حاسمة، وثورة الأمة المسيحية على نظامها تعني رضاها بكل ما ينتج عن الثورة.

أما في الجزائر فإن الحالة مخالفة لذلك تمام المخالفة فالدين غير الدين والأسباب غير الأسباب، والدولة الفرنسية تعهّدت للمسلمين في هذا الوطن بالمحافظة على كل ما ينتسب إلى الدين وأنزلت نفسها منزلتهم في التصرّف فوضعت يدها على أوقافهم ومساجدهم ووظائفهم الدينية، وأوهمتهم بهذه الظواهر أن كل شيء على أصله، وفي ظل تلك العهود والمظاهر احتوت على كل شيء فقلبت أعيان الأوقاف وبقيت تنفق على المساجد سترًا لذلك التصرّف الجائر، وأن إنفاق الحكومة على المساجد طول هذه المدة هو الفارق الأكبر بين أوقاف الجزائر وأوقاف فرنسا، وهو نفسه حجّتنا الكبرى في المطالبة بأوقافنا على الصورة التي لا حق للفصل فيها إلا للمجلس الإسلامي المنتخب من الجمعيات الدينية.

إن جمعية العلماء لا تفهم من معنى الاستقلال الديني وحرية المساجد إلا المعنى الصريح الذي تطالب به وهو إعلان الحكومة فصل الدين الإسلامي عن الدولة وأن تترك

<<  <  ج: ص:  >  >>