للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا نقول إن المسألة استقرت في نصابها وإنما نقول: إنها تنمو على الأيام شيئا فشيئا وإنها سائرة إلى الأمام، ودعاة السلام من كل أمة والعلماء منهم والفلاسفة قائمون عليها بالدعوة إليها ونشرها، وما دام الحال على ما نرى فلا شك في وصولها إلى الأمد المرجو.

دخلت هذه المسألة في الطور الذي ذكرناه من اليوم الذي ولدت فيه النهضة العلمية الجديدة، فهي مصاحبة للعلم في سيره وتابعة له في أطواره، لكنها بقيت مدة من الزمن وهي نظرية في أذهان المفكرين حتى تقوَّت الدواعي على إبرازها لميدان العمل. وهي أول خطوة خطتها للأمام وأول بشارة للقائمين على هذه المسألة والمتتبعين لحركتها- بحياتها ووصولها يوما ما إلى الدرجة المطلوبة من الكمال. ومن رأيي الخاص أن الوصول إلى هذه الغاية ممكن ولكنه بعيد.

من الدلائل على نمو هذه الحركة وحياتها تأسيس الجمعيات من عهد غير بعيد لمساعدة المنكوبين في هذه الحياة بلا ميز بين الجنسيات والأديان.

أُسّست الجمعيات العلمية لإنقاذ البشر من نكبة الجهل، ولا مصيبة أكبر من الجهل، ولا مرض أفتك منه.

أُسّست الجمعيات الطبية لإنقاذ البشر من الأمراض التي هي آفة الإنسانية.

أُسّست الجمعيات المالية لإنقاذ البشر من داهية الفقر الذي مآله إتلاف هذا النوع بل هو الجائحة الكبرى للإنسانية وهو منبع الشرور والفظائع.

أُسّست الجمعيات الصناعية وهي عبارة عن معامل تخرج آلات لمحاربة الفقر.

أُسّست الجمعيات الرياضية وهي خادمة للبشر مادة ومعنى وعامل على ترقيته روحا وجسما.

أُسّست الجمعيات الأدبية، وهي نصيرة الحقائق وعدوة الأوهام والخرافات، هذه الجمعيات التي ذكرتها لكم وهي قليل من كثير، كانت من أكبر العوامل في تآخي البشر وتقرب الشعوب من بعضها ومن أقوى الأسباب في غلبة الاتصال على الانفصال، والتعارف على التناكر والوفاق على الخلاف والاجتماع على الافتراق، بل تغلب العلم على الجهل والحق على الباطل والفضيلة على الرذيلة.

<<  <  ج: ص:  >  >>