نستطيع إعانتهم به، ولا نرضى أن يكون حرامًا علينا ما هو حلال لليهود. ومن أنصفنا أنصفناه وزدنا.
ونحن نعتقد أيضًا أن العربي بطبيعته رزين ساكن، وأن المسلم بطبيعة دينه مسالم متسامح، وأن الطبيعتين بعيدتان عن الشر لا تقبلانه ولا تقبلان عليه إلا مكروهتين أو مغرورتين، ونعلم مع ذلك أن الاستعمار بطبيعته كائد ماكر، وأن له في الكيد والمكر طرائق تعجز الشياطين أن تأتي بمثلها ولو كان بعضهم لبعض ظهيرًا. وأن للحكومات الاستعمارية جواسيس وأعوانًا ربّتهم على افتراص الفرص لتلك المكائد وعلى اختيار الظروف لها وخلق الأسباب. فكلما عنّ لهم سبب تافه، أو جرت حادثة بسيطة مما يجري كل يوم، أو تحرّك شعور في الأمّة ولو لمعنى ديني محترم أو طبيعي محتوم، شرحوه للحكومة وأولوه، وجسموه وهوّلوه، وصرفوه عن معناه الطبيعي إلى مجرى آخر يوافق هوى الحكومة لتبني عليه مكائدها، وتتخذ منه ذريعة للانتقام.
إننا لا نشكّ بما في أذهاننا من الشواهد، وبما عوّدتنا الحكومة من العوائد أن قضية فلسطين من القضايا التي يتخذ منها خصوم العرب والمسلمين وسيلة كيد لهم في كل أرض فيها للاستعمار سلطان وعلى الخصوص في شمال إفريقيا.
إن أعظم ذنوبكم في نظر الاستعمار هو أنكم رفعتم أصواتكم بطلب حقوقكم الوطنية من دينية ودنيوية: فهو لا يفكر في إنصافكم ولا في الرفق بكم، وإنما يفكر فيما يسكت هذا الصوت من ترغيب أو ترهيب. وهو قادر أن يجعل من مثل قضية فلسطين وسيلة إلى ذلك الإسكات. فإياكم أن يستفزكم هو وأعوانه حتى يحرجكم فيخرجكم عن وقاركم. وإياكم أن يجعل لكم من قضية فلسطين مشغلة عن قضيتكم الوطنية.
إن الجزائر وطنكم الصغير، وإن إفريقيا الشمالية وطنكم الكبير، وإن فلسطين قطعة من جزيرة العرب التي هي وطنكم الأكبر، وإن الرجل الصحيح الوطنية هو الذي لا تلهيه الأحداث عن القيام بواجبات وطنيه الأصغر والأكبر.
قد ترون في هذه الظروف ما يستفز أعصابكم وتسمعون ما يجرح شعوركم وتقرأون ما يؤلم ضمائركم، فلا تقابلوا ذلك بالغضب ولا تجعلوه مثارًا للشر، بل قابلوا كل ذلك بالسكون والهدوء وضبط الأعصاب، واعملوا من الصالحات لكم ومن النافعات لفلسطين ما يطفئ الغضب ويدفع الشر، فإن ذلك يزيل غضب الشيطان، ويزيد حرارة الإيمان. إن الدعاية الصهيونية والاستعمارية تنسب لجنسكم العربي كل نقيصة من الفوضى والطيش وحب الفتك والسفك وخلق الوحشية والجفاء فكذّبوا أقوالهم بأفعالكم.