للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقول الشيخ القاضي فيما ردّ به على زميله المفتي الحنفي ونشره بجريدة "الوزبر": إن لجنة الأهلة والمواسم الإسلامية في جميع أقطار الإسلام من خطط القاضي المالكي. ونحن نعرف أقطار الإسلام، ولكننا لا نعرف هذه الخطة. ونعرف تاريخ القضاء ولا نعرف أن هذه الخطة من خصائصه ولو كان مالكيًا. ثم ما معنى خطط القاضي؟ لقد كانت للقاضي خطط يوم كانت في يده الحدود والمظالم والتعزيرات والحسبة والأموال. أما قضاة (ما تحت الاستعمار الفرنسي) فهم كمسائل (ما وراء الطبيعة) وإنما ينظرون في الأنكحة والمواربث وأموال المحاجير نظرًا مقيّدًا بالقانون الفرنسي، وبسلطة القاضي الفرنسي.

ويقول أيضًا: إن لجنته لا تقلّ قيمتها عن الهيئات الموجودة في الأقطار الإسلامية الأخرى. ونحن لا نسلم هذا إلا إذا سلّمنا أن هيأة قاضي الجزائر مساوية للهيئات الإسلامية في العلم والدين والمحافظة على الشعائر والذب عنها ولا نستطيع التسليم بذلك إلا إذا رزقنا جرأة كجرأة الشيخ القاضي.

ويقول أيضًا: إن أعضاء هيأته كلهم متضامنون متحدون متفقون على ما فيه الخير والصلاح ودرء الخلاف والشقاق بين إخوانهم المسلمين الخ ... وبعض هذا صحيح، وهو التضامن، فقد تضامنوا في ليلة الشك على النوم من الساعة التاسعة ونصف- العاشرة، وتركوا الأمّة تنتظر.

...

إن سلطة القاضي في الإسلام مقصورة على أحكام المعاملات الدنيوية ولا صلة لها بالعبادات، البتة، ومن أحكام المعاملات سماع الشهادة وتعديلها أو تجريحها، لأنها أساس في إيصال الحقوق إلى أهلها. أما الشهادة على الرؤية، رؤية الهلال، فهي من باب الخبر، لا من باب الشهادة. إذ لا حق للمخلوق هنا: وكل من سمع الخبر تعلّق به الحكم، وهو وجوب الصوم. والفرق بين الشهادة والخبر معروف عند الفقهاء. ولكن قضاتنا صيروا الخبر - رغم أنفه- شهادة، ودخلوا من بابها إلى رمضان الذي هو عبادة محضة لا يدخل فيها حكم الحاكم، فابتدأ تدخّلهم في مسألة الصوم بتلقّي الشهادات وتسجيلها ثم توسعوا في المسألة لهذا العهد حتى توهموا- بسكوت العامة- أنها من مناطق نفوذهم. ثم ترقت المواصلات الإخباربة بالتلفون والراديو، فأصبحت المسألة مصدر شهرة، فنافسهم فيها المفتون، ونازعوهم حبل النفوذ والظهور ثم ازدادت عناية الأمّة بدينها، فازداد الفريقان بها تعلّقًا. يتخذ منها المفتي مشغلة لوظيفته العاطلة، وتعميرًا لوقته الفارغ. ويتخذ منها القاضي أداة ظهور وزلفى للأمّة، وعلالة بالنفوذ الديني، ومظهرًا من مظاهر العناية بالدين يتجدد في

<<  <  ج: ص:  >  >>