للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أيها الإخوان: ما زلت أتمنى على الله أمنية شغلت عقلي وفكري منذ مِزْت الخير من الشر، وهي أن يسترجع علماء الإسلام ما أضاعوه من قيادة المسلمين، وما زالت الأقدار تدافعني عن هذه الأمنية وتؤيسني منها حتى دلتني المخايل الصادقة من مؤتمركم هذا وتباشير أخرى سبقته على أن هذه الأمنية قريبة المنال إذا صحّت العزائم.

إن علماء الدين أئمة، فإذا لم يخدموا الأمم الإسلامية في جميع الميادين النافعة، ولم يقودوها بقوة في المقاصد الصالحة، ولم يصرفوها في نواحي الخير والمصلحة، ولم يوجّهوها إلى شرف الحياتين وسعادة الدارين، وإذا لم تتوجه الأمة إلى حيث وجّهوها، ولم تستقبل الوجهة التي استقبلوها، فلا معنى لهذه الإمامة.

أن قيادة علماء الدين للأمة هي وظيفتهم الأصيلة، وهي وظيفة يفرضها الدين ويرتضيها العقل، وتوجبها مصلحة المسلمين، وقد فرط علماءنا في القيام بهذه الوظيفة منذ أزمنة متطاولة، فخرجت القيادة من أيديهم إلى أيدٍ لا تحسن القيادة، أو تحسنها في سبيل غير سبيل الدين ومدار غير مداره، فانتهت الأمة بقيادة هؤلاء إلى ما ترون وتشهدون، وليس ما ترون وتشهدون بالذي يرضاه الله ودينه، أو ترتضيه الحياة الشريفة.

جرّبت الأمم الإسلامية- بعد الصدر الفاضل- أنواعًا من القيادة، فما أوقعتها إلاّ في المهالك والبلايا، وما كانت عواقبها إلّا عقوبات، وقد أفلست جميع التجارب، واستشرف المسلمون إلى هداةٍ وحُدَاةٍ من علماء الدين يستردون ما أضاعوه من سلطان، حتى يردّوا هذا السواد المنتشر المتخبّط في داجية من الضلال في الدين والدنيا، إلى الحظيرة الجامعة والقلعة المنيعة، وإن الاسترداد لهذا الحق الضائع لَأقرب منالًا إذا اجتمعتم مثل اجتماعكم اليوم، وفكرتم في المسألة حق التفكير، وإن في زمنكم وأحداثه وفي أمتكم وتجاربها لَأَعوانًا لكم على تقريب الغاية وصدق الآية.

إنّ في العالم الديني الموفق شمائل من الدين ونفحات من روح الله وآثارًا من قوته، وفي الإسلام القوّة والرحمة، والعدل والحكمة، والصدق والنصيحة، والعفة والأمانة، والإيثار والتضحية، وهذه- لعمركم- هي جوامع المؤهلات للقيادة حتى في هذا الزمن الطافر، وفي هذا العالم الكافر، وقد أصبحت الأمم التي جافت الدين وصدت عنه تلتمس شعاعه تهتدي به في ظلمات الحياة، وأسبابه لتعتصم به من هذه السيول الجارفة من الآراء والأحداث، فكيف بأمة لم تنقطع بينها وبين دينها الأسباب.

اجعلوا من بعض أعمالكم في هذا المؤتمر استعادة سلطان الدين على النفوس وفي قيادة الأمة بزمام الدين، فإن في تقوية النفوذ الديني تقوية لسلطانكم على الأمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>