للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم ماذا؟ لا أكاتمك يا قارئي العزيز، فقد حاولتُ أن ألخص لك ما يمكن لي تلخيصه من كلام الأستاذ الرَّئِيسُ، لكن تحليق روحي وراء المعاني الفلسفية الأدبية السامية التي "يرسلها" الخطيب في كلام فني رائع كبّل يدي وأنساني "مهمتي" كمدوّن لما يجري في الاحتفال، على أني لا أضنّ عليك ببعض ما علق بذهني من تلك الشدور والزهور.

قال حضرة الرَّئِيسُ وهو يتحدّث عن فصل الصيف: ما أغرب فصل الصيف، وما أعظم شأنه بين الفصول! يفاخره الربيع بأنه الفصل الذي تبعث فيه القوّة، وتندفع فيه الحياة، وأنه الفصل الذي تهواه النفوس ويتغنّى به الشعراء، فلا يأتي بشيء! ويفاخره الشتاء بأنه الفصل الذي "تكمن" فيه الحياة، وتستتر فيه القوّة، فلا يأتي بشيء! ويفاخره الخريف بأنه فصل الخزن والادخار، فلا يأتي بشيء! ذلك لأنّ أمر الصيف أبعد من كل ذلك مدى، وأعمق صدى، فهو الفصل الذي يتحاسب فيه العامل والبطال، فيفور العامل بجني الثمرة، جزاء كدّه وجدّه، وينقلب البطال بالحسرة والندامة، جزاء تقاعسه وتكاسله. وأعجب من ذلك أنّ الصيف فصل "حساب" عام لما يجري في العالمين المادي والأدبي على السواء، ففي الصيف يحصد الفلّاح ما بذر في الحقول، وفيه يحصد المعلّم ما بذر في العقول، فكل من الفلاّح والمعلّم زارع، هذا يزرع العلم وذاك يبذر الزرع، وكلاهما يترقّب هذا الفصل، وهنا محلّ السرّ والاستغراب!

ثم أخذ الأستاذ الرَّئِيسُ في شرح المعنى السامي للامتحان فقال: ما الامتحان إلّا استعراض للمواهب، ووزن للجهود، فبواسطته نعرف مكانة التلميذ من الذكاء ومقداره من التحصيل ... إن الأمم تتخذ من الامتحان معنيين رمزيين هما: التوديع والاستقبال، فالامتحان توديع لحياة قديمة هي حياة السنة الدراسية التي مضت، واستقبال لحياة جديدة هي حياة السنة الدراسية التي تأتي. والحياة كلّها ما هي إلا سلسلة من المراحل، كلما قطعتَ مرحلة جاءت أمامك مرحلة أخرى، والعاقل مَن ينظر دومًا إلى المستقبل، ولا يلتفت إلى الماضي إلّا على وجه الاتّعاظ والاعتبار.

ثم كأني بالأستاذ الرَّئِيسُ يريد أن يشرح السرّ في النتائج الباهرة التي أسفر عنها نشاط المعهد فقال: إنّي أشهد الله صادقًا أن النتيجة كانت سارّة جدًّا. لماذا؟ لألها مبنية على الحق والصدق أوّلًا، ولأنها ثانيًا وليدة أمور ثلاثة هي: حزم الإدارة، ونشاط الأساتذة، واجتهاد الطلبة. إن مجموع هذا وذاك هو الذي فاجأنا بهذه النتيجة الباهرة! وحاشا المعهد أن يقدّم للأمة نتيجة مزيفة، زيادة أو نقضا، فإنّ ذلك لا يفعله إلّا الغاشّ الماكر.

ثم تعرّض الرَّئِيسُ إلى فضل المعهد على تكييف الطلبة تكييفًا موحّدًا في الغاية والاتجاه، منسجمًا في المظهر والسلوك، وإنْ كانوا من قبل لفي اختلاف مبين في الأخلاق

<<  <  ج: ص:  >  >>