للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لم تصب "البصائر" في جميع عهودها بأزمة مالية كالتي وقعت فيها في هذه السنة، ولم تعان من الضيق المادي ما عانت في هذه السنة، فكان ذلك بعض الأسباب في تأخّر سنتها إلى هذا اليوم، فقد امتدّت سنتها الاعتبارية إلى سنة زمنية ونصف سنة.

والسبب في هذه الضيقة الخانقة أنه ليس لـ"البصائر" مال احتياطي ترجع إليه في الأزمات، ولا مورد آخر كأجور الإعلان أو الإعانات الفردية، كما هو الشأن في الجرائد التي تعيش على الإعلان، أو تعتمد على صناديق المنظمات أو الإمدادات السخية من الأنصار، فكل أولئك ليس لـ"البصائر" منها شيء، وإنما تعتمد "البصائر" على شيء واحد، وهو قيمة الاشتراك وثمن البيع، فإذا قصر هذا المورد ففي جهود مديرها الخاصة ما يضمن انتظام صدورها واستمراره، ولكن هذه الجهود لا تقوم قاعدة عامة لتسيير مشروع عظيم كجريدة "البصائر".

وقد تعففت عن المطاعم المشتبهة، والموارد الكدرة، ولو أغضت قليلًا وترخصت لكانت أغنى جريدة في هذا الشمال، فقد عرضت عليها مئات الآلاف ثمنًا للإعلان عن شيء تسعه الإباحة، ويضيق به المبدأ، فآثرت المحافظة على المبدإ، وعُرض عليها مليونان في السنة ثمنًا للإعلان عن سلعة تتجاذبها جوانب منها المريب، فأعرضت عنها ترفعًا، وعرض عليها نصف مليون ثمنًا لفتيا، فرأت أن هذا المال هو جزء من آلاف الأجزاء مما يؤخذ من الأمّة الإسلامية الجزائرية بهذه الفتوى، فأعرضت عنها، وأن صغار النفوس من الفقهاء ليبيعون مثل هذه الفتوى ببضعة آلاف من الفرنكات.

كانت "البصائر" في سنتيها الماضيتين تخرج كفافا لا عليها ولا لها، أو تخرج بقليل من الدين يسدّد من دخل السنة الجديدة، فلما ضربت الأزمة العامة بأرواقها ظهر أثرها على "البصائر" من نصف السنة الماضية متجلّي الأسباب في النقص الملموس في البيع، وفي ارتفاع أجور الطبع وسعر الورق، وفي النفقات غير الاعتيادية كالاشتراك في صندوق المنحة العائلية، وفي متخلفات الباعة، وفي كثرة ما توزّعه الإدارة مجانًا في المبادلات والهدايا للشرقين العربي والإسلامي وللأميركتين الوسطى والجنوبية، وقد بلغ هذا الفصل الأخير أربعمائة نسخة من كل عدد، وهو شيء لازم لجريدة كـ"البصائر"، قيمتها المعنوية في الدعاية إلى العروبة والإسلام، ووظيفتها السامية هي تبليغ الدعوة الإصلاحية لا التجارة والربح المادي، وفي جنب هذه المعاني لا يستكثر أن تنفق ستون ألف فرنك في الشهر على المتخلفات والهدايا.

تنفق إدراة "البصائر" على العدد الواحد أكثر من مائة ألف فرنك، فالمبلغ الاعتيادي من النفقات هو خمسة ملايين في السنة على التقريب تُزاد عليها النفقات غير الاعتيادية فيرتفع

<<  <  ج: ص:  >  >>