من تلك الحقوق التي ضاعت فرصتها، وأجرضت غصتها، حق عيد العرش المحمدي الذي تخفق أكمدتنا فرحًا به قبل أن تخفق أكمدة إخواننا المغاربة، ومنها حق إخواننا الليبيين الذين طلعت عليهم شمس يوم بالفرحة الكبرى فلم نشاركهم فيها، ولم نتقدم إليهم بجهد المقل من نصيحة خالصة هي أثمن ما يهدي الجار إلى جاره، أو دعوة صالحة هي أقل ما يَرْفِد به المؤمن أخاه، ومنها حق إخواننا شهداء "النفيضة" ومأساتهم الدامية، التي لقينا من برحها ما لقيه إخواننا التونسيون، ومنها حق إخواننا الصحافيين المصريين الذين أريدوا على ما يراد عليه الحُرّ الأبي، فاستنكفوا الحمل على الهضيمة، ومنها المؤلفات والمجلات التي تهدى لـ"البصائر" من أنصارها والمعجبين بها من الشرق والغرب، وكلهم آمل أن تقول "البصائر" فيه كلمة، وأن تعرف كتابه وتقدّمه للقرّاء، تقريظًا أو نقدًا، وقد كثرت هذه الهدايا في هذه السنة كثرة دلّت على ما لـ"البصائر" في نفوس أولئك الإخوان من مكانة وقيمة.
هذا ما تأسى عليه "البصائر"، لا على (ورق) ينقطع ثم يعود، وكف تبخل ثم تجود ...
وان عسى أن تقضي من هذه الحقوق ما لم يفت بفوات زمنه.
...
لم تكن هذه العوائق في حسابنا، يوم كتبنا ما كتبنا في افتتاحية السنة الماضية ووعدنا فيه بما وعدنا، فاسترسلنا مع الأماني حتى تجسمت وكأنها حقائق، وقد أدّبنا الزمان بعوائقه وبوائقه، فأصبحنا لا نعد وعدًا لا نثق بإنجازه، وهدنا إلى الزمن نستعتبه في ما تجري به تصاريفه، ومن ثم فإننا لا نعد القرّاء في هذ السنة شيئًا من التحسين أو التلوين إلا بقدر ما تسمح العوائق، ومن فضلة ما تسأر الأحداث، ولخير من حلاوة وعد تعقبها مرارة الاخلاف- مرارة صبر تتلوها لذة المفاجأة.
ويعتب علي بعض الإخوان بالكلام الكثير والرسائل الوفيرة هجري للكتابة في "البصائر" ويعدون ذلك هو السبب أو هو أقوى الأسباب لهذا الفتور الذي اعترى "البصائر" في سيرها، ويقول كاتب: إن "البصائر" فقدت روعتها وسحرها. ويقول غيره ما يشبه هذا الكلام، ويقول غيرهما غيره، ويتهمني آخرون بأنني أشوق ثم أعوق، ويغريني بعضهم بأنواع من المغريات استفزازًا واستثارة، ويتداهى بعضهم لتحريكي فيقول لي: إن قلمك ليس بذاك، وإن قومك لا يقرأون للقلم، ولكن للاسم، إذ ما زالوا على نوع من عبادة الأسماء، إلى غير ذلك مما تواجهني به الألسنة والأقلام، وعفا الله عن إخواني وصنع لهم، لكأنهم يقولون في لسان باقل: انه سيف أغفلته الصياقل، وأنا- مع اعتزازي بحسن ظن الإخوان- قائل لهم: إني لا