استصرخهم المستنصر لضيم تأباه من ابن الحرة، نفسه الحرة، أقبلوا إليه شدًا، وأوسعوه نصرًا وعونًا، وقد جربناكم في الحالين فصدقت المخيلة.
...
أيها الإخوان، أيها الأبناء!
هذه نهاية خمس سنوات قضيناها- بمعونتكم- في العمل المثمر، وقطعناها- بتأييد الله ثم بتأييدكم- في الخير العام لهذه الأمة التي تنكر لها الزمان بما كسبت أيديها، وأشاح عنها وجهه، وأتاح لها الجار الذي لا يبيت جاره إلّا على وجل، والعدو الذي يسمي لها الشر باسم الخير فيغرها، ثم يبيعه لها ملفوفًا في غشاء الخير فيغشها، ثم يمن عليها بذلك فيحتقرها، ثم يفرض عليها أن تشكره على ذلك فيذلها.
هذه خمس سنوات وصلنا لياليها بأيامها في القيام بالعهد الذي عاهدنا الأمة عليه في صيف سنة ١٩٤٦ من النهوض بالجمعية والانتقال بها من طور الركود إلى طور الحركة، ومن حال الضعف إلى حال القوّة، حتى انتهيت إلى ما نعتقد أنه تمام طور، وكمال نصاب، فجئنا بكم اليوم لنعرض عليكم أعمال هذه السنوات الخمس التي هي طور كامل من أطوار جمعيتكم تم وكمل، ووجب الانتقال منه إلى طور جديد، ببرنامج جديد، وعزائم جديدة وأعوان جدد، وتفكير جديد، وتقدير جديد وهمم جديدة.
إن الأعمال العظيمة لا تقيد بالأيام، ولا تقدر بالسنوات ولا تشوش بالحساب الآلي، ولا تعطل بالأوضاع العرفية، وإنما هي أطوار يتم تمامها في زمن طويل أو قصير، وقد كانت جمعيتكم أطوارًا لا توزن بالأيام والليالي، وإنما توزن بتمام الأعمال وكمالها، واستجماع أجزاء هياكلها، وقد كان تمام طورها الأول في ست سنوات، هي سنوات الصراع بين الحق والباطل، هي السنوات التي قطعناها في إصلاح العقول التي أفسدها الضلال في الدين، وفي تصفية النفوس التي كدرتها الخرافات، واعدادها لفهم حقائق الدين والدنيا، وغرس القابليات الصحيحة فيها للخير، ودك الحصون التي كانت مانعة لنا من الاتصال بالجيل الناشىء حتى نستطيع تعليمه الحق، وتربيته على الحق، والحيلولة بينه وبين الفساد المتفشي في الآباء والأمهات، فقد كان الآباء الذين مردوا على الضلال لا يرتضون لأبنائهم إلّا أن يرثوا عنهم ذلك الضلال، فجاهدنا في تلك السنوات الست في تنقية الأشواك من طريقنا إلى الصغار، لنتمكن من تربية عقولهم على العقائد الصحيحة في الدين والدنيا، ونفوسهم على الفضائل الكاملة في الجسم والروح، وألسنتهم على البيان العربي، وأفكارهم على التأمل والإدراك علمًا وعملًا، وكنا جارين في ذلك كله على سنة الحارث الهمام ... لا يزرع البذر