للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للإنصهار في الحركة السياسية، عن طريق التربية والتعليم والتكوين، وبناء المساجد، والنوادي، والمدارس، وإحياء المقومات الذاتية للشخصية الجزائرية، وربط الجزائر بمحيطها العربي الإسلامي الذي أراد الاستعمار انتزاعها منه، وبهذه العناصر تكون الوحدة الوطنية مصونة راسخة، ويكون الجهاد واجبا قائما، فيكون- بإذن الله- الانتصار المبين ميسورا مضمونا.

ولا شك أن إصلاح العقيدة هو أساس كل إصلاح، فقد قال الإمام مالك (رضي الله عنه): «لَا يَصْلُحُ آَخِرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَا بِمَا صَلُحَ بِهِ أَوَّلُهَا»، وهو الشعار الذي رفعه المصلحون في الجزائر وجسدوه في أقوالهم وأفعالهم، وكتاباتهم، فها هو الشيخ مبارك الميلي- مؤرخ الجزائر وأحد علمائنا- يكتب في العشرينات في أحد أعداد جريدة "المنتقد"، "من حاول إصلاح أمة إسلامية بغير دينها، فقد عرض وحدتها للانحلال وجسمها للتلاشي، وصار هادما لعرشها بنية تشييده".

إن الحركة الدينية التي قادها علماؤنا الأجلاء تعدى صداها حدود الوطن، وكانت ثورة ثقافية حقيقية- بمفهوم اليوم- قلبت أوضاع الشعب الجزائري، وجعلته يعيش في حالة تناقض دائمة مع الاستعمار، ويتفاعل مع قضايا أشقائه في المغرب الأقصى وتونس والمشرق العربي، وكانت حربا بدون هوادة على الجهل والتحجر والبدع والخرافات والخمول والاستكانة. لقد أدخلت تلك الثورة الثقافية على المجتمع الجزائري تحولات في مفاهيمه، إذ أيقظت فيه روح الأخوة والتضامن، وبعثت فيه الأمل الذي هو مفتاح الوصول إلى الغاية المنشودة، وأعدت لذلك الوسائل الملائمة التي رسمت الطريق إلى شاطئ الخلاص وبر الأمان.

وهذه الحقيقة تؤكد الاتفاق الكلي بين الحركة الدينية والحركة السياسية في الغاية، أي العمل على تمكين الجزائر من استرجاع سيادتها واستقلالها وحريتها، وإذا كان هناك من فرق بين الحركتين فمن المؤكد أنه ليس في الهدف- إذ الهدف واحد وهو الانعتاق- وإنما في الوسائل التي تؤدي إلى تحقيق ذلك الهدف.

تبنت "جمعية العلماء"، مشروعا يقوم على الدين والعلم والأخلاق، إيمانا منها أن هذه العناصر الثلاثة توصل الشعب الجزائري إلى الاستقلال، بينما جعلت الحركة السياسية من الاستقلال الوسيلة إلى بناء هذه الأعمدة الثلاثة، وإن كان أحيانا بمسميات مختلفة، بيد أنها تصب دائما في نفس الاتجاه ... وقد شاهدتُ في طفولتي بمدينة تلمسان في الثلاثينات كثيرا من تلامذة والدي وأنصاره يلازمونه في دروسه وخارج دروسه كمريدين أو أكثر، وهم في نفس الوقت منخرطون في حركة "حزب الشعب الجزائري"، ولم يكن لديهم أي شعور بالتناقض في الانتماءين، خلافا لما ركز عليه لاحقا بعض المؤرخين الفرنسيين في كتاباتهم، ممن كان همهم الأكبر التنقيص من دور الإسلام في الحركة الوطنية ثم في الثورة المسلحة ...

<<  <  ج: ص:  >  >>