للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذه نصائح مريرة، وحقائق شهيرة، لم نسمّ فيها أحدًا، فمن استفزّه الغضب منها، أو نزا به الألم من وقعها، فهو المريب، يكاد يقول: خذوني.

وبعد، فإن جمعية العلماء فوق الأحزاب كلها، ما ظهر منها وما بطن، وإن مبدأها أعلى من المبادئ كلها، ما استسرّ منها وما علن، ولقد اتصلت بجميع الأحزاب فرادَى ومجتمعين في المصالح العامة، فأرتْهم بأقوالها وأعمالها أنها فوق الأحزاب، وقد احتكّت بها جميع الأحزاب، من خاطب لوُدّها إجلالًا، إلى رائم من نفوذها استغلالًا، إلى عامل على الكيد لها احتيالًا، فأرتْهم بمعاملاتها لجميعهم أنها فوق الأحزاب، ودعت الأحزاب إلى الصلح والاتحاد، وجمعتهم للاشتراك في العمل، فكانت في ذلك كله فوق الأحزاب.

وما دامتْ تعمل في ميدان لا يختلف فيه الرأيُ، ولا يتشعّب الهوى، فإن منطق الواقع لا يسمح لها بغير ذلك، وإن تاريخها يشهد بأنها تنصر الحق حيثما وجد، وتدور معه حيث دار؛ وأنها تزنُ الرجالَ بأعمالهم الصحيحة، ومبادئهم الثابتة، وتزن الأحزاب ببرامجها الواضحة وآرائها العملية، وأنها تقارب الجميع وتباعدهم على قدْر قربهم من الإسلام والعروبة وبعدهم عنهما.

هذه هي الحقيقة لا يماري فيها إلا ذو دخلة سيئة وهوًى مضلّ.

أما حين تمتدّ الأيدي الآثمة إلى حمى الدين أو حمى القومية العربية، أو حين يتساهل السياسيون في حقّهما، فإنّ للجمعية في ذلك كلمتها الصريحة التي لا جمجمة فيها، وموقفها المشرّف الذي لا هوادة فيه.

حاربتْ سياسةَ الاندماج في جميع مظاهرها، فقاومت التجنيس، ونازلت أنصاره الحُمْس ودعاته المقاويلَ، حتى قهرتهم وأخرستهم، وقطعت الحبلَ في أيديهم، ثم أفتتْ فتواها الجريئة فيه، يوم كانت الجرأة في مثل هذه المسائل بابًا من العذاب، فكان ذلك منها تحديًا للاستعمار، وإبطالًا لكيده، وتعطيلًا لسحره، وأثبتتْ بتلك المواقف للجزائر إسلاميتها.

وحاربت العنصرية التي كان الاستعمار يغذّيها ويعدّها من أمضى أسلحته لقطع أوصال الأمة، فقطعت دابرها، والاستعمارُ خزيانُ ينظر، وأثبتت بذلك للجزائر قوميتها العربية. وحاربتْ- آخرَ ما حاربتْ- لائحة ٧ مارس بشدّة وقوة، وشنعتْ بها في دروسها وخطبها، وبيّنتْ للأمة الدسائسَ التي تنطوي عليها اللائحة، وأنها وسيلة "شيطانية" إلى الاندماج جيء بها بعد خيبة الوسائل التي تقدمتها.

<<  <  ج: ص:  >  >>