للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الديمقراطية ولا من الإنسانية، فلا عجب أن يطرب لتحرير دين عظيم من ربقة الاستعباد في ناحية من الأرض، كل مسلم على وجه الأرض وكل ديمقراطي وكل إنسان.

ولكن الحكومة الفرنسية تتنازل عن هذا الشرف العظيم، وهو إعلان الفصل القطعي تشريعًا وتنفيذًا، للمجلس الجزائري، وهو محجور البرلمان الفرنسي، وللحكومة الجزائرية، وهي فرع الحكومة الفرنسية؛ فهل كان هذا التنازل تواضعًا وزهدًا وإيثارًا للمجلس الجزائري ومحبة؟ لا لا.

... ونحن نعرف السر في هذا التنازل ونعرف أن حكومة فرنسا وحكومة الجزائر كانتا على اتفاق فيه، ونعرف أن من تقاليد الحكومة الجزائرية التمسك الشديد بهذه السلطة المطلقة على مساجد المسلمين وأوقافهم، وما هي سلطة، بل هي ملك مديد، رعاياه هذا العدد العديد من المفتين والأئمة والمؤذنين و"رجال الدين"، وإن لحكومة الجزائر في بقاء هذا الجيش تحت يدها مآرب أخرى تفوتها بانفلاته من يدها، وما زالت هذه الحكومة منذ عشرات السنين تعارض في قضية الفصل وتطاول وتمدّ الآجال، إلى أن أرهقتها المطالبة وحدثت فكرة "دستور الجزائر" فأوحت إلى حكومة فرنسا أن تنص على الفصل، وتكل تنفيذه إلى المجلس الجزائري الذي ولده الدستور، لتصل عن طريقه إلى فائدتين: الأولى بقاء ما كان على ما كان، والثانية إفهام العالم بأن نواب المسلمين هم الذين رضوا بل طلبوا إبقاء ما كان على ما كان، وما فعلت هذا إلّا لاعتمادها على نفسها وعلى وسائلها المعروفة في تكوين المجلس الجزائري وتشكيله على الكيفية التي تضمن لها ما تريد؛ وقد فعلت كل ذلك وكونت لنفسها وسائل الفوز، ولم تبق إلّا غيرة السادات النواب على كرامة دينهم وتقديمها على كل اعتبار؛ فليفهم النواب المسلمون هذا جيدًا، وليحاسبوا ضمائرهم، وليعلموا أن الدين لا مساومة فيه ولا مهاودة، وأن جميل الحكومة مع بعضهم في الأول لا يكون على حساب الدين في الأخير.

...

٣ - ووقع الفصل في باريز لفظًا وكتابة ونصًّا في الدستور. فهل يقع الفصل هنا في الجزائر؟ وهل يقع على ما تريده الأمة، أو على ما تبغيه الحكومة؟ والنواب المسلمون مهما يبلغ ببعضهم التأثر فإنهم لا يوافقونها على إبقاء ما كان على ما كان، لأن ذلك مناقض للفصل الذي نص عليه الدستور نصًّا صريحًا ...

أما الحكومة الجزائرية فإنها تحلف برأس كل عزيز عليها أنها قادرة على الجمع بين الفصل والوصل في آن واحد، وأنها زعيمة بالجمع بين المتناقضات، ولا عجب من حكومة

<<  <  ج: ص:  >  >>