للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فليُوطِّن نفسَه على تحمل المصائب».

ومُحِبُّ الدنيا لا ينفكُّ من ثلاث: هَمٍّ لازم، وتعب دائم، وحسرة لا تنقضي، وذلك أن محبها لا ينال منها شيئًا إلا طمحت نفسه إلى ما فوقه، كما في الحديث الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لو كان لابن آدم واديان من مالٍ لابتغى لهما ثالثًا» (١)، وقد مثل عيسى ابن مريم عليه السلام محب الدنيا بشارب البحر (٢)، كلما ازداد شربًا ازداد عطشًا (٣).

وذكر ابن أبى الدنيا (٤): أن الحسن كتب إلى عمر بن عبد العزيز: «أما بعد فإن الدنيا دار ظَعْنٍ، ليست بدار إقامة، إنما أُنزل إليها آدم عقوبةً، فاحذرها يا أمير المؤمنين! فإن الزاد منها تركها، والغنى فيها فقرها، لها في كل حين قتيل، تُذِلُّ من أعزها، وتُفقِر من جمعها؛ كالسُّمِّ يأكله من لا يعرفه وهو حَتْفُه، فكن فيها كالمداوي جِراحَه، يحتمي قليلًا، مخافة ما يكره طويلًا، ويصبر على شدة الدواء (٥)؛ مخافة طول البلاء، فاحذر هذه الدار الغرّارة، الخدَّاعة الختَّالة، التي قد تزينت بخِدَعها، وفتنت بغرورها، وخيَّلت (٦) بآمالها،


(١) أخرجه البخاري (٦٤٣٩)، ومسلم (١٠٤٨) عن أنس بن مالك.
(٢) ت: «الخمر» وهو تحريف.
(٣) رواه ابن أبي الدنيا في الزهد (٣٤٢) قال: قرأت في كتاب داود بن رشيد، حدثني أبو عبد الله قال: قال عيسى ابن مريم: «طالبُ الدنيا مثل شارب ماء البحر؛ كلما ازداد شربًا ازداد عطشًا حتى يقتله»، ورواه ابن عساكر في تاريخ دمشق (٤٧/ ٤٣١) من طريق إبراهيم الحربي عن داود بن رشيد عن أبي عبد الله الصوفي به.
(٤) في كتاب ذم الدنيا (٥٠).
(٥) في جميع النسخ: «الداء»، والمثبت من ت.
(٦) ح: «ختلت».