للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكذلك إذا كان الرجلُ يريد تنفيذ حقٍّ صحيح، ولكن لا يُقبل منه، لكونه هو أو مَنْ لا يُحْسَنُ به الظن قائله، فإذا عَرّض للمخاطب بنسبة الكلام إلى معظّم يقبله منه كان من أحسن التعريض، كما علّمه أبو حنيفة رحمه الله أصحابه، حين شكَوْا إليه: إنا نقول لهم: قال أبو حنيفة، فيبادرون بالإنكار، فقال: قولوا لهم المسألة، فإذا استحسنوها ووقعت منهم بموقعٍ فقولوا: هذا قول أبي حنيفة.

وكما يجري لأصحابنا مع الجهمية وفروخهم كثيرًا.

فصل

وأما استدلالهم بأن الله سبحانه علّم نبيَّه يوسف عليه السلام الحيلة التي تَوَصَّل بها إلى أخذ أخيه إلى آخره، فهذا قد ظنّ بعض أرباب الحيل أنه حجةٌ لهم في هذا الباب، وليس كما زعموا، والاستدلال بذلك من أبطل الباطل.

فإن المحتجِّين بذلك لا يجوّزون شيئًا مما في هذه القصة البتة، ولا تُجَوّزُها شريعتنا بوجه من الوجوه، فكيف يحتجّ المحتجّ بما يحرم العمل به، ولا يسوّغه بوجهٍ من الوجوه؟

والله سبحانه إنما سَوّغ ذلك لنبيه يوسف عليه السلام جزاءً لإخوته، وعقوبةً لهم على ما فعلوا به، ونَصْرًا له عليهم، وتصديقًا لرؤياه، ورفعةً لدرجته ودرجة أبيه صلوات الله وسلامه على نبينا وعليهم.

وبعدُ، ففي قصته مع إخوته ضروبٌ من الحيل المستحسنة:

أحدها: قوله لفتيانه: {اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انْقَلَبُوا