ولَعمْرُ الله إن عُبَّاد الأصنام مع أنهم أعداء الله عز وجل على الحقيقة، وأعداء رسله عليهم السلام، وأشدُّ الكفار كفرًا يأنفون أن يصفوا آلهتهم التي يعبدونها من دون الله تعالى، وهي من الحجارة والحديد والخشب، بمثل ما وصفت به هذه الأمةُ ربَّ العالمين، وإله السماوات والأرضين، وكان الله تعالى في قلوبهم أجلَّ وأعظمَ من أن يصفوه بذلك، أو بما يقاربه، وإنما شركُ القوم أنهم عبدوا من دونه آلهة مخلوقة مربوبة مُحْدَثةً، وزعموا أنها تقرِّبهم إليه، لم يجعلوا شيئًا من آلهتهم كفُوًا له، ولا نظيرًا، ولا ولدًا، ولم ينالوا من الرب تعالى ما نالت منه هذه الأمة.
وعُذْرُهم في ذلك أقبح من قولهم، فإن أصل معتقدهم: أن أرواح الأنبياء عليهم السلام كانت في الجحيم في سجن إبليس، من عهد آدم إلى زمن المسيح، وكان إبراهيم، وموسى، ونوح، وصالح، وهود عليهم الصلاة والسلام معذَّبين مسجونين في النار بسبب خطيئة آدم عليه السلام، وأكله من الشجرة، وكان كلما مات واحد من بني آدم أخذه إبليس وسجنه في النار بذنب أبيه. ثم إن الله سبحانه وتعالى لمَّا أراد رحمتهم وخلاصهم من العذاب تحيَّل على إبليس بحيلةٍ، فنزل عن كرسي عظمته، والتحم ببطن مريم، حتى وُلد وكَبِرَ وصار رجلًا، فمكّن أعداءه اليهود من نفسه، حتى صلبوه وقتلوه وسمَّروه، وتَوّجوه بالشوك على رأسه، فخلّص أنبياءه ورسله، وفداهم بنفسه ودمه، فهراق دمه في مرضاة جميع ولد آدم، إذ كان ذنبه باقيًا في أعناق جميعهم، فخلّصهم منهُ بأن مكّن أعداءه من صَلبه وتسميره وصفعه إلا من أنكر صَلبه أو شكّ فيه، أو قال بأن الإله يَجِلّ عن ذلك، فهو في سجن إبليس معذّب حتى يُقِرّ بذلك، وأن إلهه صُلب وصُفعَ وسُمرَ!