للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بلاد مكة، وتولّى حِجابة البيت، ثم إنه مرض مرضًا شديدًا، فقيل له: إن بالبلقاء من الشام حَمّةً (١)، إن أتيتها بَرأت، فأتاها فاستَحَمّ فيها، فبرأ، ووجد أهلها يعبدون الأصنام، فقال: ما هذه؟ فقالوا: نستسقي بها المطر، ونستنصر بها على العدو، فسألهم أن يعطوه منها، ففعلوا، فقدم بها مكة، ونصبها حول الكعبة.

واتخذت العربُ الأصنام، فكانت أقدمُها مناةَ، وكان منصوبًا على ساحل البحر من ناحية المسلك بقُدَيْدٍ بين مكة والمدينة، وكانت العربُ جميعها تعظمه، وكانت الأوس والخرزج ومن ينزل المدينة ومكة وما [١٤٠ ب] قارب من المواضع يعظمونه، ويذبحون له، ويُهدون له، ولم يكن أحدٌ أشدّ إعظامًا له من الأوس والخزرج (٢).

قال هشام (٣): وحدثنا رجلٌ من قريش، عن أبي عُبيدة بن عبد الله بن أبي عبيدة بن محمد بن عَمّار بن ياسر، قال: كانت الأوس والخزرج ومَنْ جاورهم من عرب أهل يثرب وغيرها يحجون، فيقفون مع الناس المواقف كلها، ولا يحلقون رؤوسهم، فإذا نفروا أتوه، فحلقوا عنده رؤوسهم، وأقاموا عنده، لا يرون لحجّهم تمامًا إلا بذلك.

وكانت مناةُ لهُذَيْلٍ وخُزاعة، فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليًّا، فهدمها عام الفتح، ثم اتخذوا اللات بالطائف، وهى أحدث من مناة، وكانت صخرةً مُرَبّعة، وكان سدنتها من ثقيفٍ، وكانوا قد بَنَوْا عليها، وكانت قريش وجميع


(١) الحمة: عين ماء حارة تنبع من الأرض، يُستشفى بالاغتسال من مائها.
(٢) كتاب الأصنام (ص ١٣)، وانظر: تلبيس إبليس (ص ٥٣).
(٣) كتاب الأصنام (ص ١٤ ــ ١٨)، وعنه رواه ابن الجوزي في تلبيس إبليس (ص ٥٣).