وهذه الفتنة مآلها إلى الكفر والنفاق، وهي فتنة المنافقين، وفتنة أهل البدع، على حسب مراتب بدعهم، فجميعهم إنما ابْتدعُوا من فتنة الشبهات التي اشتبه عليهم فيها الحق بالباطل، والهدى بالضلال.
ولا يُنجي من هذه الفتنة إلا تجريد اتّباع الرسول، وتحكيمُه في دِقّ الدين وجِلّه، ظاهره وباطنه، عقائده وأعماله، حقائقه وشرائعه، فيتلقى عنه حقائق الإيمان، وشرائع الإسلام، وما يُثبتُه الله من الصفات والأفعال والأسماء، وما ينفيه عنه، كما يتلقّى عنه وجوب الصلوات وأوقاتها وأعدادها، ومقادير نُصُب الزكوات ومُسْتَحقِّيها، ووجوب الوضوء والغسل من الجنابة، وصوم رمضان، فلا يجعله رسولًا [١٢٩ أ] في شيء دون شيء من أمور الدِّين، بل هو رسول في كل شيء تحتاج إليه الأمّة في العلم والعمل، لا يُتَلقّى إلا عنه، ولا يُؤخذ إلا منه، فالهُدى كله دائرٌ على أقواله وأفعاله، وكلّ ما خرج عنها فهو ضلال.
فإذا عقدَ قلبه على ذلك، وأعرض عمَّا سواه، ووزَنَه بما جاء به الرسول، فإن وافقه قبله، لا لِكَوْن ذلك القائل قالَهُ، بل لموافقته للرسالة، وإن خالفه رَدّه، ولو قاله مَنْ قاله، فهذا الذي يُنْجيه من فتنة الشّبُهات، وإن فاته ذلك أصابه من فتنتها بحسب ما فاته منه.
وهذه الفتنة تنشأُ تارةً من فَهْم فاسدٍ، وتارةً من نقل كاذب، وتارةً من حقٍّ فائت خفي على الرجل فلم يَظفر به، وتارةً من غرضٍ فاسد وهَوًى مُتّبع، فهي من عمًى في البصيرة، وفسادٍ في الإرادة.