للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأجمع المسلمون على جواز المضاربة، وأنها دفع ماله لمن يعمل عليه بجُزْءٍ من ربحه، فكلّ عينٍ تَنمي فائدتها من العمل عليها جاز لصاحبها دفعها لمن يعمل بجزء من ربحها.

فهذا محضُ القياس، وموجَب الأدلّة، وليس مع المانعين حُجّةٌ سوى ظنهم أن هذا من باب الإجارات بعوضٍ مجهول، وبهذا أبطلوا المساقاة والمزارعة.

واستثنى قومٌ بعض صورها، وقالوا: المضاربة على خلاف القياس، لظنّهم أنها إجارة بعوضٍ لا يُعْلم قَدْره.

وأحمدُ رحمه الله عنده هذا الباب كله أطيبُ وأحلّ من المؤاجرة؛ لأنه في الإجارة يحصل المؤجر على سلامةِ العوض قطعًا، والمستأجر مُتردِّدٌ بين سلامة العوض وهلاكه، فهو على خَطَرٍ.

وقاعدةُ العدل في المعاوضات: أن يستوي المتعاقدان في الرّجاء والخوف، وهذا حاصل في المزارعة، والمساقاة، والمضاربة، وسائر هذه الصور الملحقة بذلك؛ فإن المنفعة إن سَلِمتْ سَلِمتْ لهما، وإن تَلِفتْ تَلِفتْ عليهما، وهذا من أحسن العدل.

واحتج المتأخّرون من المانعين بحديث أبي سعيد الذي رواه الدارقطني (١): نُهي عن قفِيز الطحان، وهذا الحديث لا يصح.

وسمعتُ شيخ الإسلام رحمه الله يقول: «هو موضوع» (٢).


(١) سنن الدارقطني (٣/ ٤٧). وقد تقدم تخريجه.
(٢) وحكم عليه بالوضع في منهاج السنة (٧/ ٣١١).