للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال: وهؤلاء يَغتالون الناس، ويخنقونهم، ويزعمون أنهم يُحْسنون إليهم بذلك، وأنهم يُخَلّصون الروح النورانيّة من الجسد المظلم.

وقال بعضهم: إن الباري سبحانه لما طالَتْ وَحْدَتُه استوحش، ففكر فِكْرة سوءٍ، فتجسّمت فكرته، فاستحالت ظُلْمَةً، فحدث منها إبليسُ، فرام الباري إبعاده عن نفسه، فلم يستطع، فتحرّز منه بخلق الجنود والخيرات، فشرع إبليس في خلق الشر.

وأصل عقد مذهبهم الذي عليه خواصّهم: إثبات القدماء الخمسة: الباري، والزمان، والخلاء، والهيُولَى، وإبليس. فالباري خالق الخيرات، وإبليس خالق الشرور.

وكان محمد بن زكريا الرازي على هذا المذهب، لكنه لم يُثبت إبليس، فجعل مكانه النفس، وقال بقِدم الخمسة، مع ما رسَّخه به من مذاهب الصابئة، والدّهرية، والفلاسفة، والبراهمة، فكان قد أخذ من كل دين شرّ ما فيه، وصنَّف كتابًا في إبطال [١٤٨ ب] النبوَّات، ورسالة في إبطال المعاد، فركّب مذهبًا مجموعًا من زنادقة العالم.

وقال: أنا أقول: إن الباري، والنفس، والهيولَى، والمكان، والزمان: قدماء، وأن العالم محدث.

فقيل له: فما العلة في إحداثه؟

فقال: إن النفس أشبهتْ أن تَحْبَلَ في هذا العالم، وحَرّكتها الشهوة لذلك، ولم تعلم ما يلحقها من الوبال إذا حبلت فيه، فاضطربت، وحرّكت الهيولَى حركاتٍ مشوشة مضطربة على غير نظام، وعجزت عما أرادت، فأعانها الباري على إحداث هذا العالم، وحملها على النظام والاعتدال،